هناك رأيان تقليديان حول أمن الطاقة وأزمة النفط وقد تم تناول كل منهما بطريقة تحليلية مختلفة مع صدور توصيات باتباع سياسة معينة سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية. فالمنهج الجيوسياسي يعمل على ربط الواردات بنقاط ضعف معينة أو على الأقل بالخضوع للتأثر بها، ويسوده اعتقاد بأن تقليل الواردات يرفع من مستوى الأمن. وتكمن واحدة من أبرز ن...
قراءة الكل
هناك رأيان تقليديان حول أمن الطاقة وأزمة النفط وقد تم تناول كل منهما بطريقة تحليلية مختلفة مع صدور توصيات باتباع سياسة معينة سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية. فالمنهج الجيوسياسي يعمل على ربط الواردات بنقاط ضعف معينة أو على الأقل بالخضوع للتأثر بها، ويسوده اعتقاد بأن تقليل الواردات يرفع من مستوى الأمن. وتكمن واحدة من أبرز نقاط ضعف هذا المنهج في التركيز على موازين تجارة البترول فيما بين المناطق والدول بوصفها متغيراً هاماً، ويتجاهل المنهج بذلك حقيقة أن النفط سلعة قابلة للتبادل؛ فعند الضرورة يمكن في الغالب استبدال أي كمية من النفط الخام حال فرض حظر تجاري على إحدى الأمم.ومن وجهة النظر الاقتصادية سنجد أن الأمر يتعارض تماماً مع المنهج الجيوسياسي، فعلم الاقتصاد يفترض أن جميع أنواع التجارة تتم ابتغاء الربح المادي، ومن ثم فإن أية اضطرابات تشوب نوع معين من التجارة لن تتعلق بهذا الهدف، وذلك مرجعه أن النفط سلعة قابلة للتبادل وعليه، فإن الأسواق يمكنها التغلب على أي من هذه الاضطرابات. وتبعاً لوجهة النظر هذه، نجد أن أمن الطاقة لا يتطلب سوى مقدرة السوق على توفير الإمدادات المطلوبة حال وقوع اضطراب ما.غالباً ما ينظر المستهلكون إلى تذبذب الأسعار على أنه يمثل وقوع أزمة حتى وإن استمر هذا التذبذب لفترة قصيرة، ولكن هذا التذبذب يمثل في الواقع سلوكاً دورياً طبيعياً بالنسبة لسلعة يقدمها اتحاد من المنتجين. وعلى الرغم من أن أزمات النفط ترجع في المقام الأول إلى وقوع أحداث سياسية معينة، غير أن ضررها الرئيسي يكون اقتصادياً فيما يتعلق بآلية احتمالات تغير أسعار النفط. وحتى في حالة وجود توازن نسبي بين حجم الإمدادات والاستهلاك، فمن الممكن أن تتفاقم الأسعار نتيجة للتخزين. ويعود تخزين النفط (وتغير الأسعار من الناحية الأشمل) في المقام الأول إلى عدم التأكد من توفر الإمدادات المطلوبة بل ويزداد الأمر سوءاً نتيجة للتدخل السياسي في الأسواق سواء على الصعيد الدولي (كما حدث عام 1973) أو الصعيد الخارجي (كما حدث عام 1979).ومن المتوقع أن تزداد حدة أزمات النفط في المستقبل كما حدث عام 1990 وذلك فيما يتعلق بالأسعار والأضرار الاقتصادية المصاحبة، إلا أن هذه الأزمات ستكون أخف وطأة من تلك التي حدثت عام 1979. ويبدو أن التخزين سيمثل أكبر الأخطار المتوقعة، ولكن تظل هناك مخاوف من أمور أخرى تتضمن بدورها أخطاء خاصة بالسياسة المتبعة. على سبيل المثال، سيقل عدد صانعي السياسة الذين يتمتعون بخبرة في مجال أزمات النفط بمضي الزمن، مما يزيد من احتمال اتخاذ اختيارات سياسية غير موفقة أثناء وقوع أية اضطرابات في الإمدادات في المستقبل.ورغم ذلك كله، ينطوي التهديد الرئيسي لتأمين الطاقة اليوم، والذي يكمن في تخزين النفط، على احتمال قوي لوقوع اضطرابات في حجم الإمدادات، الأمر الذي قد يبلغ من عظمه التسبب في ارتفاع الأسعار، وقد يزيد أسلوب التخزين الخاطئ الموقف تعقيداً. ويعد هذا أمراً وثيق الصلة بصانعي السياسات؛ إذ إن التخزين ما هو إلا سلوك منطقي يتم اللجوء إليه أثناء عدم التأكد من كفاية الإمدادات. وحيث إن العنصر السياسي الخاص بوقوع اضطراب في الإمدادات ينتج عنه شكوك حول كفاية هذه الإمدادات أو يزيد منها بل ويعمل أحياناً على تشجيع ذلك الاتجاه؛ يتراءى لنا أن التدخل السياسي للحد من تلك الشكوك سيكون أفضل الحلول.