يتحدث هذا الكتاب عن النزعة الروحية في أدب جبران خليل وميخائيل نعيمة حيث جاء الباب الأول تأسيساً وتثبيتاً لأركان هذه الأطروحة بحيث يضمن متانة القاعدة وبالتالي سلامة البنيان، وجاء تحت عنوان: "جذور النزعة الروحية وطلائعها في أدب جبران ونعيمة"، وجعل في خمسة فصول: تناول الفصل الأول منه "جذور النزعة الروحية في أدب جبران"، فوجد المؤلف ...
قراءة الكل
يتحدث هذا الكتاب عن النزعة الروحية في أدب جبران خليل وميخائيل نعيمة حيث جاء الباب الأول تأسيساً وتثبيتاً لأركان هذه الأطروحة بحيث يضمن متانة القاعدة وبالتالي سلامة البنيان، وجاء تحت عنوان: "جذور النزعة الروحية وطلائعها في أدب جبران ونعيمة"، وجعل في خمسة فصول: تناول الفصل الأول منه "جذور النزعة الروحية في أدب جبران"، فوجد المؤلف في أمه، وقد أورثته تسعين بالمئة من أخلاقها وميولها، وفي الطبيعة اللبنانية الجميلة، وقد أمدته بدفق من الإحساس والمشاعر كانت له الغذاء الأبدي، كما وجدها في إستعداده لأن يكون فتى الغاب، فتى البراءة البدائية والتجدد المستمر، وجدها في مطالعاته الشخصية يتلفقّها عقل متوقد الذكاء، عبقري المواهب، مفرط في العاطفية.وقد خصص الفصل الثاني للبحث عن "جذور النزعة الروحية في أدب نعيمة" فوجدها المؤلف في أسرته المسيحية الأرثودكسية الملتزمة، وفي الكنيسة الأرثودكسية تؤسس المدارس لتحتوي أبناءها ورعاياها فترسي العلوم الدنيوية على أسس العلوم الدينية في تلك العقول فتغذيها بالإثنتين، غير أن نعيمة ينفتح بعد ذلك على الكليات والجامعات والكتب والمطالعات، ثم ينشر أشرعة فكره التواق إلى الإنطلاق فيجد في الطبيعة كتاباً ومعلماً ومدرسة، كما يجد في نفسه القدرة على أن يستوحيها ويحسن الإصغاء إليها، وأن يتمكن من فهم ما تقول، فتساعده على إكتشاف الإنسان في نفسه، وتنفتح هذه النفس على كوى الروح تأتيه من الكتاب المقدس ومن مطلاّت شرقية فيتبين هدفه من وجوده، ويمضي في شق طريقه إلى ذلك الهدف.تنبت الجذور، تسمق، فتوحي طلائعها محتويات الفصل الثالث من هذا الباب، وإذا بجبران ونعيمة أديبان روحيان، وإن عمل أدبهما الأول والأخير هو الإنسان، إنهما أدركا حقيقة الحياة، والتي لا معنى لوجودهما بغيرها، ولا قيمة لأدبهما إلاّ على قدر ما يخدم تلك الحقيقة، فيشق طريقاً، وينير سراجاً.الفصل الرابع تكلمت على الأسلوب للكشف سرّ الكلمة التي رفع جبران رايتها بقوله للناطقين بها: "لكم لغتكم ولي لغتي"، فإذا بها لغة مشاعر وأحاسيس، أمّا نعيمة فقد شق أمامه الموجّه الأعظم طريق الثقافة وعبّدها وأتاح له ما لم يتح لسواه، وأعطاه من اللغات التي أتقنها مفاتيح لخزائن الأدب الغربي والشرقي، فكنز من كنوزها ما جعل القلم واللسان يسلسان له قيادهما.أراد نعمية أن يكون الأدب واحة، وها هو الباحث هنا جعله لجبران ونعيمة واحات، وإنها تحتل الباب الثاني من هذه الأطروحة، وفيه استعرض الثمار التي أتانا به الأدب الجبراني والنعيمي، وهي صلب الموضوع في هذه الأطروحة: "النزعة الروحية في أدب جبران ونعيمة".وقد وزع تلك الثمار حسب ما تحمله من المعاني والأفكار على واحات خمس، وجعلها كلها في خدمة الإنسان فهو نواة الأسرة البشرية، وأساس المجتمع، فأحال كل واحة منها فصلاً من فصول الباب الثاني وقد حرص على أن يكون التوزيع نسبياً لأجزائها، حرصه على تقارب وحدات تلك الأجزاء بحيث أن كل فصل يوجز ما قبله، ويقدم لما بعده بترابط منطقي شيّق يتناسب مع ترابط الغاية والوسيلة في ذلك الأدب.الفصل الأول "واحة التطهير" وفيه بين سعي جبران ونعيمة لنظافة تتجاوز الأجساد إلى الأرواح، ونقاء يتعدّى المظاهر إلى الضمائر يدعوانها إلى الخلوة والصمت والتأمل لتستيقظ، وتتوب.إن النفس إذا تطهّرت أصبحت شفافة مشعة، إنها حالة جديدة وواحة جديدة هي "واحة التنوير" والفصل الثاني، وفيه يحث الأديبان على روحنة التربية والتعليم والفن، حثهما على التربية الجمالية التي تجعل من الجمال خاتم الفضيلة، يحثان على العمل بصفته حركة مقدسة وعبادة صالحة، حثهما على كسب المال من حلال وإنفاقه في حلال، وتقديسه بالعطاء الذي يبدّل الفقر المادي بالغنى الروحي، وتلك قضية كونية عادلة، يقرّها إله الأرض والسماء الذي يعطي خيراته للجميع، فهو أبوهم والبشر كلهم له أبناء.الفصل الثالث خصص للطفولة بما فيها من مذاق البراءة المتواضعة، والصدق، والصداقة والحقيقة، والإيمان، والسعي إلى الله بصلاة حارة، وقلب طاهر عفيف، صفات الطفولة الموعودة بملكوت السماء: "إن لم تعودوا كالأطفال فلن تبلغوا ملكوت السموات".ما الملكوت السماوي إلا واحة المحبة وهي الفصل الرابع، وهي شرف للإنسان، لأنه الكائن الوحيد على الأرض الذي يستطيع أن يتفهّم معناها، ويتجمّل بجمالها، وهي السبيل الأوحد إلى الفرح الحقيقي."واحة الفرح" أو الفصل الخامس هو الفرح الناتج عن تفاعل تلك الثمار في تقوية النزعة الروحية في الإنسان، فيجدّ في طلب الحرية والسلام، ويسعى إلى الكمال الذي يساعده في الجهاد ليتخلّص من الغربة ومشقاتها ويصل إلى الوطن الذي يشدّه الحنين إليه.أما الفصل السادس وهو "مجتمع الواحة" فقد انطبع بالإنسان المثال الذي رسمه أدب جبران ونعيمة، وأبرز سمو دوره في الحياة أماً وأباً، ابناً واخاً، شاباً وشيخاً، فالإنسان مهما كان جنسه أو عمره أو دوره مستحق كل رعاية وتقدير وإهتمام، وقد اتفق نعيمة وجبران حول عظمة الإنسان.في الخاتمة أوجز الباحث الخلاصات التي توصل إليها فجاء قضية علمية جديدة هي "النزعة الروحية في أدب جبران ونعيمة"، فتبيّنا لنا أديبين من أدباء الروح، وكانا في كل ما قالاه، وكل ما عملاه، وكل ما كتباه يفتشان عن نفسهما، وبالتالي يعلمان أن الرب خلقها، ولا يسعدها إلا أن تسلك سبيل الروح المؤدية حتماً إليه.