نال الحديث النبوي من الأصحاب الكرام اهتماماً وتتبعاً للدقيق، والجليل، وهو ما امتاز به الإسلام عن الديانات السماوية الأخرى، إذ لم يحتفظ المتصلون بأصحاب الرسالات بالمحيطات النبوية حيث لم تتمكن رسالتهم حين الظهور ولم تتصل بالأنبياء المرسلين؛ لأن رسالة موسى عليه السلام عاشت في التيه، ورسالة المسيح عليه السلام بلغت بوسائط. أما الإسلا...
قراءة الكل
نال الحديث النبوي من الأصحاب الكرام اهتماماً وتتبعاً للدقيق، والجليل، وهو ما امتاز به الإسلام عن الديانات السماوية الأخرى، إذ لم يحتفظ المتصلون بأصحاب الرسالات بالمحيطات النبوية حيث لم تتمكن رسالتهم حين الظهور ولم تتصل بالأنبياء المرسلين؛ لأن رسالة موسى عليه السلام عاشت في التيه، ورسالة المسيح عليه السلام بلغت بوسائط. أما الإسلام فإن الصحابة حافظوا على الأطوار النبوية كلها المتعلقت بنزول التشريع فلذلك حافظ الإسلام على التشريع الإلهي صافياً ناقياً لم تكدره الشوائب.هذا وإن المعنى الكامن في السنة النبوية وهي الروح التشريعية التي امتاز بها الإسلام ركز عليها الإمام المازري في "المعلم" الكتاب الذي نقلب صفحاته، وهو ابتداءً لما اختصت به السنة في أنها مصدر فريد للاجتهاد الإسلامي الصحيح مما يدعو الفكر إلى أن يعرف ما في الإسلام من نظام كفيل بالحياة الاجتماعية في كل جوانبها مما يعزّ وجوده في غيره. هذا وإن إظهار "المعلم" ستكون له آثار في التشريع الفقهي لما له من نظرات تسمو به لأنه انبنى على إبداء أفكار اجتهادية صحيحة مبنية على الروح الإسلامية المتماشية مع السهولة والآخذة بعين الاعتبار لكل ما يحفظ للإنسان أن يكون في إطار من أحكم الإطارات وفيه يتمتع المجتمع بنظام يكفل كل وسائل الإصلاح.والكتاب هذا "المعلم" هو في الحقيقة يبهر الأبصار من هذه الناحية، وقد استوعب كثيراً من الأفكار، حتى أن ما كان له من إكمالات مثل إكمال القاضي عياض هي من نواح تتعلق بجوانب أخرى هي المصدر المعين الثري في الاستنتاج من بيان الأسوة الأولى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقد صرف لها الإمام المازري عناية بالغة لم تفتقر إلى تكميل أساسي، بل إلى ما هو من الإفاضة من نبعه ذاته.هذا وقد انصرف جهد المحقق لإخراج هذا التأليف في ثوب لائق به من حيث صحة النص، وتسهيل الوقوف على مسائله بإبرازها بصورة تتمثل فيها كل مسألة على حدة، معرّفاً بها مع ما يحتاجه تحقيق النصوص من عمل. ويمكن القول بأن الاطلاع على "المعلم" سيعزز شهرته التي أطبقت إفريقية والمغرب بقسميه الأوسط والأقصى، والأندلس، وحتى المشرق، ويتحقق ما يتمتع به هذا الفذ الشهير في أن إمامته إمامة حقة، وأن اختصاصه بها اختصاص عن جدارة وقيمة.