d
رواية ليست للنشر - جلال الخوالدة

رواية ليست للنشر

رواية ليست للنشر

تنبني الرواية على مخطوطة وجدها المؤلف جلال الخوالدة عند "عاصي السرجي" وهو الشخصية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الروائي، والمؤلف هنا يوهمنا بأنه ينقل الينا هذه المخطوطة بحذافيرها وكما وجدها تماما لا حذف ولا تعديل باعتبارها السيرة المفترضة لعاصي ابن القرية الذي كان طالبا في ثانوية المدينة الساحلية (المنار) وهناك تدور احداث الرو... قراءة الكل
أضف تقييم
رواية ليست للنشر لـ جلال الخوالدة منقول: بقلم د.داليا مدين "تنبني الرواية على مخطوطة وجدها المؤلف جلال الخوالدة عند "عاصي السرجي" وهو الشخصية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الروائي ، والمؤلف هنا يوهمنا بأنه ينقل الينا هذه المخطوطة بحذافيرها وكما وجدها تماما لا حذف ولا تعديل باعتبارها السيرة المفترضة لعاصي ابن القرية الذي كان طالبا في ثانوية المدينة الساحلية (المنار) وهناك تدور احداث الرواية وتتحرك شخصياتها مثل زملائه في القسم الداخلي القادمين من قرى الجنوب، ورجال الشرطة والعاملين في التهريب ومدير المدرسة ورجالات المدينة الصغيرة ويروي عاصي في مخطوطته حكايته المثيرة وتورطه في كشف تفاصيل كثيرة عن هذه الشخصيات واسرارها.. الرواية من النوع النفسي البوليسي وترصد تحولات قرية ما في الوطن العربي بتسميات مفترضة لا وجود لها واقعيا ، وما نراه هنا ان الكاتب قد نجح بتفوق في قيادة شخصياته والتعبير عنها بشكل فني ناجح.. فاللغة في الرواية متنوعة الدلالات والتقنيات السردية غير تقليدية والاطار الحكائي الواقعي هو المسيطر". هذا ما قرأته على غلاف الرواية، بقلم وزارة الثقافة الاردنية وهو ما استدعاني حقا لمطالعتها في الوهلة الأولى ثم قراءتها بتمعن، ومع أنني في ذلك الوقت لم أكن قد تعرفت الى الكاتب، وأجريت معه حوارا صحفيا حول موضوع الرواية، فقد تلخصت آنذاك ملاحظاتي حول هذا الكتاب في التقنيات السردية الحديثة التي قدمها الخوالدة والتي أبرزت شأن الرواية، وتحدثنا في ما بعد حول إمكانية أن يقوم بإرسائها كإتجاه عربي روائي مستحدث، وللوضوح فإننا نقرأ في الصفحة الأولى للطبعة الأولى من الرواية مقدمة الطبعة الثانية، والتي تشير "ضمناً" إلى أن الكاتب تفاجأ من نشر الطبعة الأولى "مع أنها لم تنشر في الواقع بعد" وأن هذه المقدمة جاءت لتوضح ما جرى" ما تخيل هو بأنه حدث بعد النشر"، وجرى توقيعها باسم الكاتب نفسه ليوهمنا أنها أحداث حقيقية حدثت معه شخصيا، وأنه بريء للغاية (!!) في نقل محتوى المخطوطة التي وجدها لدى الكاتب الأصلي " بطل الرواية" عاصي السرجي. كان ممكن أن نصدق كل ذلك، لو أن "عاصي" موجود فعلا، أو ظهرت له ردود فعل حقيقية، أو لو كانت مدينة "المنار" حيث تقع معظم الاحداث، موجودة فعلا في مكان ما في الوطن العربي، أو أن أحد الشخصيات الموجودة مثل " نائب رئيس الوزراء" أو "رئيس الدولة" أو "وصفي الفتاحي" زعيم المخدرات موجود حقا، ولكن لم أفهم في القراءة الأولى إصراره على أن نعتقد بالمطلق أن القصة حقيقية بالكامل، مع أن المكان والشخصيات ليست حقيقية إطلاقا. بعد المقدمة، يروي "جلال الخوالدة" كيف تعرف الى الكاتب الاصلي عاصي السرجي " بطل الرواية" ويشرح لنا مكونات وعناصر شخصية البطل بسلاسة لكن بتحديث زمني متصاعد ووواضح بين تاريخه الحقيقي، وزمن الاحداث التي وقعت معه، وزمن كتابة المخطوطة، والزمن تعرف فيه إليه، والزمن الذي نشرت فيه الرواية داخل الرواية، وفي القراءة الأولى حاولت أن أستوضح الزمن وأتوقف في كل مرة لأعرف أين أنا بالضبط، فقد تعرفت على أساليب روائية حديثة يتم خلط الزمن فيها لكنها ليست بحال سيرة بطل، وما أذهلني حقا حين إنقسم البطل الى قسمين بعد أن ظهر له "البديل" في خياله ثم إحتل البديل جسد عاصي وغادره عاصي، فذهبت باتجاه أن الذي أتم السيرة هو البديل مع أنه المؤلف ذاته. القارىء العادي لا يلاحظ كل ذلك، بل يقرأ قصة بسيطة وخط درامي واضح وبسيط يبدأ بخروج عاصي السرجي من قريته " بتوم " التي تقع في جنوب أحد البلدان العربية، مطرودا ومطاردا تسيل منه الدماء بسبب "علقة" ساخنة جدا ولأنه قبض عليه متلبساً يمارس الرذيلة مع ابن المختار "مازن" ، ويتجه في آخر رمق من الليل الى مركز المدينة " المنار" ، والتي وصفها بأنها مركز للمخدرات والتهريب والدعارة وتقع في أقصى جنوب بلده على بحرها المفعم بالحكايات الغامضة. عاصي يختبر المدينة بحلوها ومرها وحكاياتها المثيرة جدا، ولا يكاد يصل بأنفاسه الى أي موضوع أو شخص أو حدث حتى تتفجر قصة تشرح الحياة بتقلباتها المختلفة، تتفتح بين يديه أسرار هذه المدينة واحدا تلو الآخر، المحافظ ومدير الجمارك ومدير المدرسة وكبار التجار والشرطة والممرضات والبحارة والمهربين وتجار المخدرات والطلاب وغيرهم. وفي آخر قصصها فيها، حيث يكتشف الجميع علاقته مع إبنة مدير الميناء المتزوجة "هلا الشوبي"، يعود مطاردا مطرودا نحو العاصمة ليقع خارج دائرة غرامها المملة القاتلة التي تخلو من الحميمية والاصدقاء. في الصفحات الأولى ، وبعد المقدمة "المفاجأة"، يكتشف المؤلف وجود عاصي في العاصمة، باعتباره واحدا من عتاولة الفوضى في العالم، وبمقدار ابداعه في خلق الفوضى يكتشف المؤلف قدرة عاصي الابداعية في التأليف والكتابة ويقرر مساعدته ويبدأ بنشر أعماله ليصبح بعد فترة وجيزة واحدا من أشهر كتاب البلاد لدرجة أنه تسلم جائزة الدولة التقديرية عن مجموعته القصصية الاخيرة. يجد المؤلف بين مخطوطات عاصي الادبية سيرته الذاتية التي ذكر فيها تفاصيل مدينته باسماء أصحابها وجرائمها وحكاياتها ويسأله في لحظة كان فيها عاصي مخمورا عن حقيقة وواقعية هذه السيرة فيجيبه عاصي بأنها من نسج الخيال لكنه وضع فيها اسمه واسم "المنار" فقط ليحفر ذكرى هذا المكان الذي عاش وترعرع فيه، وبعد فترة يدخل المؤلف يحمل هذه السيرة مطبوعة راغبا أن يفاجىء عاصي وضيوفه الذين تبين أنهم فيما بعد هم أشخاص حقيقيون، بل هم ابطال السيرة الذاتية ، وكان يريد أن يقول له بأنه قام بنشر هذه القصة كاملة وتم طباعة 50 ألف نسخة منها ، لكن عاصي، وبعد أن عرفه بالضيوف قال له بأن هذه الرواية حقيقية وليست وهمية ويؤكد بأنها رواية ليست للنشر. فكرة الرواية جديدة، ذكر الخوالدة في لقائه الصحفي أنه إحتاج الى ثلاث سنوات لإنجازها، ومع أنني لست بناقدة روائية، إلا أنني وجدت فيها استمرارا مباشرا لنمط الرواية الروسية والغربية التي نجدها ببساطة لدى كل من دوستوفيسكي وكولن ولسون، ومع أن "مؤلف الرواية" حاول في اللقاء التأكيد بأنه لم يتأثر بأي من كتاب الرواية العالمية، إلا أن قراءة واحدة لميخائيل شولوخوف في "الدون الهادىء" و"الاخوة كارامازوف" لدوستوفيسكي و"طقوس في الظلام" لكولن ويلسون كفيل أن يضع الخوالدة مباشرة أمام التأثير الطاغي للرواية العالمية على أعماله، وخاصة وهو يؤكد بأنه لم يكن من المغرمين يوما بالرواية العربية. بطل الرواية "عاصي السرجي" مصاب بنوع غير مفهوم من الانفصام، حدده الخوالدة بظهور شخصية "البديل" في أول علاقة غرامية، وحدده بدقة أكثر الخط الدرامي العام للرواية وهو مقتل شاكر الفتاحي، فمن ناحية كان عاصي عاشقا لإبنته ايمان، في بلاد يحرم فيها الحب، وتجد الشرطة جثة المقتول أمام سكن الطلاب الذي يقطن فيه عاصي، والاشارة الواضحة الوحيدة بين عاصي والجريمة أنه خرج في ظلام فجر تللك الليلة إثر سماعه صوت وحركة خارج السكن، ولأن الليل فتاك بالنسبة له إختفى من ذاكرته أية ملامح لوقائع تلك الليلة، وراح بعد ذلك مع زوج أخته المحقق يطارد في جريمة قد يكون هو نفسه ارتكبها، ويظهر لنا الكاتب أن الطبيب النفسي الذي قابله مع عشيقته هلا في العاصمة بعد ذلك، تضع عاصي ضمن قائمة الذين يتعرضون لما يسمى "النسيان التحويلي" وشرح الخوالدة بأن صديقه الطبيب النفسي "محمد الحباشنة" في عمان هو الذي شخص حالة عاصي حسب الرواية وقال له عن النسيان التحويلي هذا. لا استطيع الجزم أن أسلوب تأليف شخصية البطل لدى الخوالدة هو نوع من حصيلة البحث في الشكل أو مهارة أدبية عميقة، لأنني اعتقد ايضا أن شخصية الخوالدة نفسها وبعض تجاربه في الحياة قد تكون وراء شخصية عاصي، ومع إصراره على عدم تقديم نموذج واقعي للبطل، ووصفه أن مزيجه الخاص مستقى من عدة شخصيات كان قد قابلها قبلا، إلا أنه ألمح إلى مجموعة من التجارب الشخصية أو التي بحثها كانت حصيلة لبعض تجارب البطل. الحرص الشديد الذي تجده في تفاصيل الخطوط الرئيسية والثانوية للمحتوى يدلل على أن المؤلف قضى وقتا طويلا في كتابة وتأليف وتقييم العمل الفني، بل يمكن القول أنه بعد تأليفها قام بقرائتها مئات المرات ليصل الى هذا المستوى من ملاحقة خيوط لا تكاد تظهر وابرازها واخفاءها ثم تفجيرها وجمع اشلائها وكأنها حدثت فعلا وقام بكتابتها كما حدثت بلا تغيير أو تبديل " حسب قوله"، ومثال ذلك أن القارىء العادي يبدأ بحساب كم يقبض ويصرف عاصي من الاموال التي يجمعها من أبو عوني أو وصفي الفتاحي ونجد أن الرقم يتصاعد ويتنازل كأنه فعلا كما دون أن يحسبه عاصي ، ونجد موضوعا مثل الدكتور هاشم وعلاقته مع الممرضة فريال وعلاقته مع زوجته "هلا الشوبي" وعلاقة عاصي نفسه مع هلا وكيف استفاد منها جميعا لابتزاز الدكتور وإقامة علاقة مع هلا يدل على أن هذه التفاصيل تم دراستها بعمق شديد ، لذك لم نعلق حين قال "الخوالدة" أنه أمضى سنوات ثلاث في كتابة رواية ليست للنشر. الصور الفنية واضحة حسب النقاد في العمل عموما لكنها تتبع منهجية مشهدية سينمائية واضحة ومحددة مثل أحد مشاهدها الذي أثنى الفنان "عبدالكريم القواسمي" على هويته الفنية والثقافية في خطاب وجهه للكاتب بعد اطلاعه على العمل وتدقيقه بشكل نهائي لغويا، وهو مشهد دفن شاكر الفتاحي. يقول القواسمي - حسبما قرأت خطابه - أنه شعر بالرعب الشديد من كاتب تجرأ أن يأخذ القارىء الى القبر بهذه الصورة ، لأن البطل هنا "عاصي" ضمنا هو المتهم بقتل شاكر، وهو حبيب إبنته ، وهو الذي تم ترشيحه لإدخال شاكر الى مثواه الأخير والكشف عن وجهه واكتشاف اسوداده وتفحمه، وهو ذاته الذي يقص علينا الحكاية كما حدثت، ثم يصف لنا بدقة متناهية كيف كان جميع من حضر الدفن يتحدثون ويصرخون حوله بوصف يشبه الى حد بعيد ما يحث فعلا في الجنازة العربية حتى مسألة الذهاب الى الجنة أو النار ومسألة الارث واصطفاف المعزين..الخ. جميع من قرأ "رواية ليست للنشر" اشتم رائحة الدراق، سألت الخوالدة لم لم يطلق على روايته تلك الرائحة التي تركها تنبعث الى كل من قرأ الرواية فقال بأن ماركيز فعل ذلك في روايته "رائحة الجوافة" وأنه لم يرغب بالتقليد. الشخصيات الرئيسية الفاعلة مثل "ابو عوني" نموذج روائي عربي تقليدي، أضفى المؤلف مسحة الرجل المبارك التقي، لكنه بقي مثل كل الشخصيات العربية الروائية الطيبة التي تمثل اتجاه الخير، الحب والتسامح والوعي، "ايمان" حبيبة عاصي كانت أيضا فوق مستواها العمري، فهي فتاة في الثامنة عشرة تتحدث عن مواضيع فلسفية لا يدركها غير الحكماء حتى مع الغطاء الذي أوجده المؤلف حول قراءاتها ودعم وتشجيع شقيقها الذي يهتم بهذه القضايا الفلسفية، "عمران" صديق عاصي الانتهازي تم توليفه جيدا ، مدير المدرسة "ابو سلمان" كان بحاجة لنوع من الاشباع لشخصية نلاحظ مثيلاتها في حياتنا اليومية، "هلا" إحتلت الصدارة في التأليف المفعم بالوصف الدقيق والاهتياج الشديد والسلوك المتطابق مع كنه الشخصية وديمومتها. المكان، لا أجمل ولا أروع، الحقيقة أنني أرشح المكان لدى "رواية ليست لننشر" لعدم تكلف الكاتب واصطناعه التصوير في أبعاد الحواس المختلفة ، فالمكان في الرواية تراه وتتذوقه وتسمعه وتشمه وتتلمسه، القرية العربية بطبيعتها العفوية الحميمية، الميناء بصخبه وجرائمه، البحر بغموضه، نهر الملفوف بسخطه وجرأته.. الشوارع والمقاهي والمدارس والمحلات والبيوت، ولكن يبقى تأثير الرواية الغربية في محاكاة المكان للحدث بارزا على طابع التأليف مهما حاول الخوالدة ابعاد شبحه عنه، ويستطيع أي ناقد مطلع على الأدب الغربي أن يجد ذلك في حوارات عاصي مع النهر والشمس والمدينة عموما. الرسائل التي جاء الكاتب ليقدمها في عمله الادبي تتعلق بتوضيح الفروق بين ابناء القرية وابناء المدن والعواصم، كأنه أراد أن يقول بأن ابناء الجنوب، أي جنوب أو شمال، يعيشون تحت السوط والصمت، لأن الحكومات في العالم أجمع تجمع على تهميشهم وإذلالهم، جاء ليتحدث عن الولاء للمكان "الوطن" وليس الولاء للفكر المدسوس أو الاتجاهات الفكرية المستوردة والقوالب الجاهزة المعدة سلفا، جاء ليحدثنا عن الخراب الهائل في عمق المجتمعات العربية والفساد المستشر في أوردتها والامراض التي فتكت به وأرهقته. عاصي السرجي بطل حكاية لاندري إن كانت فعلا قد حدثت في زمن آخر أو ما زالت أحداثها تجري حولنا أو داخلنا، بطل معاصر للصراع النفسي القائم على فقدان أحد الابوين والاهمال في التربية وتدني الاهتمام في العناصر المجتمعية الاساسية في الارياف والقرى .. وهو الفرد لوحده في مواجهة الخراب.
تتناول رواية ليست للنشر لـ جلال الخوالدة موضوع أحوال الجيل العربي المعاصر الذي كما يورد الكاتب في الصفحة 221 : "هذا الجيل لا يعلم ولا يفهم شيئا, سمع عن الحروب وعن الهزائم والنكسات لكنه لم يرها, سمع عن البطولات الرمزية التاريخية لكنه لا يصدقها. وهو يرى الآن بأم عينه الاذلال والتنكيل ولا يهتم لأمرهما, فبماذا يفكر وما الذي يشغله, ماذا لديه ليشغله؟!!." ويرصد الخوالدة في رواية ليست للنشر حسبما ذكرت "جريدة الغد الأردنية" عالماً متلاطماً من الاحداث, ويشد القارئ الى لعبة الاقبال والاحجام في عمل يعلن منذ بدايته وعنوانه انه ليس للتواصل ولا للتبادل الثقافي, في مفارقة يتبين في نهايات الرواية انها مجرد حيلة خبيثة, كما صاحب الحاسة السادسة المتضمنة نكتته في الصفحات الاخيرة لعبة ربما اراد من ورائها ان يخلع القارئ قبعته احتراما لنجاح الكاتب بتوريطه فيها.
اكتشف كتب جديدة



احصائيات

2
0
0
0
0