عند نقطة معينة كوّن الناس موقفاً في الظواهر الكونية وبدأوا يرفضون الأساطير وتفسيراتها فيما يخص القوى الخارقة بإعتبارها خيالية...بدلاً من ذلك بدأوا يستخدمون النظريات التي يجمعون الأدلة عليها ومناقشة ميزاتها. إعتبروا العالم مكاناً طبيعياً بمعنى أنه خال من التدخلات الخارقة، لهذ فهو بحاجة إلى تفسيرات طبيعية. وعليه فسروا الرعد والبرق...
قراءة الكل
عند نقطة معينة كوّن الناس موقفاً في الظواهر الكونية وبدأوا يرفضون الأساطير وتفسيراتها فيما يخص القوى الخارقة بإعتبارها خيالية...بدلاً من ذلك بدأوا يستخدمون النظريات التي يجمعون الأدلة عليها ومناقشة ميزاتها. إعتبروا العالم مكاناً طبيعياً بمعنى أنه خال من التدخلات الخارقة، لهذ فهو بحاجة إلى تفسيرات طبيعية. وعليه فسروا الرعد والبرق بلغة عواصف الغيوم وليس غضب قوى خارقة بعينها. وأن العالم مكان تحدث فيه الاأحداث بطريقة منظمة ومتوقعة ولاتعتمد على نزوات القوى الخارقة. من هنا يمكن القول بأن العلم بدأ بعدة طرق، فهو ليس نشاطاً فطرياً، بمعنى أنه يأتي بسهولة وبتصرفات بشرية غريزية. فالتقنية وهي القدرة على إستغلال محيطنا لمنفعتنا، وقد تحدث نسبياً بسهولة، لكن العلم يستلزم فهم عالمنا وتفسيره، وهذا ليس سهلاً. فهو ليس طريقة طبيعية في التفكير كالتي نراها مع الأساطير والقوى الخارقة التي نمتلك الصفات البشرية حيث سيطرت الفكر غير العلمي في عالم اليوم. والعلم يقدم مجرد الإدراك السليم، ولذلك نلاحظ أن الكثير من أفكار العلم، حتى في بداياتها، كانت مناقضة تماماً للإدراك السليم، ولم يكن مع العلم كما يجب القول، نشاطاً إنتاجياً يحصد منافع مادية فورية. لهذا كان السؤال لماذ وكيف حدثت التغييرات في الفكر العلمي؟ من هو المسؤول عن ذلك؟ تلك التساؤلات هي ما سيتم بحثه في هذا الكتاب. ومن جانب آخر فإن معرفة أين ومتى حدثت هذه التحولات سهل نسبياً. فالخطوات الأولى نحو التفسير العلمي بدأها الإغريق بحدود 600 ق.م، أما قبل ذلك ققد طور البابليون والمصريون التقنيات المتعددة، لكنهم لم يتجاوزا التفسيرات المثولوجية. أما الإغريق فقد تحققوا بهذ التقنيات خاصة في علوم الفلك والهندسة والطب، وبدأوا يقدمون النظريات البسيطة عن كيفية سير العالم بطريقة طبيعية تماماً. من هنا فإن هذا الكتاب سيتابع الإغريق في مغامراتهم بهذه الطريقة الجديدة من التفكير، ناظراً في الأفكار والطرق التي إبتكروها، والتطور في نظرياتهم، مستعرضاً أيضاً خلفياتهم الغإجتماعية التي سمحت لهم بالبدء وبتطوير طريقة جديدة جذرية في النظر إلى العالم. ويمكن القول بأن هذا الكتاب إنما يمثل محاولة في أسر جوهر روح المنجزات الإغريقية بإسلوب من الإثارة من خلال محاورات المفكرين الإغريق. وبعبارة أخرى يحاول الكاتب نقل تفكير الإغريق في كينونة عالمهم وما الذي واجهوه في أبحاثهم حوله.