بحال من الأحوال لم تنته الحياة، ونحن هنا أمام (ما بعد) تكاد تكون الأساس المتمم للفلسفة منذ إبتدائها (ما قبل الحياة/ ما بعد الحياة)، وهذه المابعد كانت سبباً في فلسفات الأساطير، الأديان، العلوم، حتى الإلحاد في الماديات له فلسفته في المابعد.من هنا، ولأنه - عقلاً - لا يمكن للثقافة مهما تضخمت وتنامت أن تتجاوز الحياة، وإن عادتها في ال...
قراءة الكل
بحال من الأحوال لم تنته الحياة، ونحن هنا أمام (ما بعد) تكاد تكون الأساس المتمم للفلسفة منذ إبتدائها (ما قبل الحياة/ ما بعد الحياة)، وهذه المابعد كانت سبباً في فلسفات الأساطير، الأديان، العلوم، حتى الإلحاد في الماديات له فلسفته في المابعد.من هنا، ولأنه - عقلاً - لا يمكن للثقافة مهما تضخمت وتنامت أن تتجاوز الحياة، وإن عادتها في المفاهيم الشمولية الكبرى المخادعة، إلا أنها لا يمكن أن تتجاوز الحياة، أو أن تكون معادلاً يتفوق عليها بالكمال وبالتمام؛ لذلك فإن الثقافة هو العمل على تجاوز عيوب ونقصان الثقافة، وهو ما يتم تقديمه حجة في إيجاد حالة ما بعد الثقافة على مستوى التاريخ، الأفراد، الفكر، الأحداث، بحيث أننا نتبنى وجود هذه الحالة تاريخياً على دلالة الفترات الإنتقالية بين فكر وفكر، والحدثية بين طور وطور، وثقافياً فكرياً على معنى حالة الفردية الذكية التي تؤهل للخروج من الإنتماء، لتغدو حالة يمارسها الأفراد بوعي منهم للمسمى الغائب، والتي يسميها الباحث في بحثه هذا (ما بعد الثقافة)، وإلى هذا، وبالنسبة له، فإن "ما بعد الثقافة" هي اللا - إنتماء للثقافة واللا - إنفصال عنها في آن معاً، تحمل مرجعها الأم وفق المتغيرات والملاءمة الحافظة، وهي على مستوى الفرد مرحلة الشك والشروع في التنوير الذاتي إستعداداً وإستعادة للوظيفة الغائبة، أي ما يمكن تسميته ممارسة الذكاء الفردي في تنقية الكمّ الهائل من المعلومات المبرمجة والخاطئة التي حُشِرت في عقله وطريقه تفكيره، وهذه ملامح الفردية الذكية المتحررة بمفردها من قيود المدرسة وأعراف المجتمع.وإلى هذا فإن (ما بعد الثقافة) ليست طفرة أو حالة تشكلت الآن، هي حالة موجودة ومتوارية ودائماً ما تكون إلى جانب الثقافة تراقب ممارستها وتأويلاتها، وتنتقدها عبر أفراد يرفضون الإنتماء لتلك الثقافة سرّاً أو علناً، وتشكك في التأويلية الخصوصية؛ فلا يقع (الخروج على الثقافة) بالتوقف عند الأفكار والأفكار ذات التأثير، إنما بالخروج على معانيها التأويلية، فعند تحويل المعاني يكون الخروج دخولاً في ثقافة أخرى، ولا تعدّ هذه الحالة (ما بعد الثقافة)، أما إن تمت إزاحة تلك المعاني التأويلية بتغيير بنية الأفكار والأفعال فإنها من ملامح الفترة المابعدية تمهيداً لثقافة مغايرة، لأن الفردية الذكية في (ما بعد الثقافة) تقوم بتجريد المعادلة الثقافية من عنصر التأويل مما يؤثر في الخصوصية من عنصر التأويل مما يؤثر في الخصوصية ويلغي وجودها كتأثير إشترافي في رؤية الحياة والتعامل مع الآخرين والأشياء بموجبها.من هنا، فإن الخروج من الثقافة هو تغيير المعنى التأويلي وما بعد الثقافة إنما يعني نكران المعنى التأويلي، والثقافة يقين بينما ما بعد الثقافة شك، والثقافة إستقرار وقرار، وما بعد الثقافة إضطراب وتقلب، والثقافة مألوف وما بعد الثقافة غريب، والثقافة حتف وما بعد الثقافة كشف، والثقافة عتمة وما بعد الثقافة نور.ضمن هذه المقاربات يعالج الباحث موضوع ما بعد الثقافة في أبعادها الفلسفية، وليستوعب ذلك أربعة متون، ومقدمة تحدث فيها الباحث عن الفردية الذكية، وأما المحاور التي دارت حولها تلك المتون فقد جاءت على النحو التالي: المتن الأولى: تداوليات مفهوم (ما بعد)، المتن الثاني: مآلات وتداولات الوعي: إمتالات البدايات والأسباب، المتن الثالث: دولة الثقافة، وما بعد الثقافة، وأخيراً دار محور المتن الرابع حول تداوليات التغيير.