يطرح "هشام أصلان" في هذه المجموعة اقتراحًا سرديًا مدهشًا، يجعل من رحلة النصوص نفسها مسيرةً موازية لوعي الإنسان بالعالم من طفولته إلى شيخوخته.. كأنها تتحرك من البداية للنهاية على خيط رهيف يشدها جميعًا لحكاية كبيرة موزعة على مزق مشاهدها. نحن هنا في القلب من عالم واحد اختار شخوصه بعناية ليطرح تصورًا عن الزمن، وهو يتحرك بذوات هامشية...
قراءة الكل
يطرح "هشام أصلان" في هذه المجموعة اقتراحًا سرديًا مدهشًا، يجعل من رحلة النصوص نفسها مسيرةً موازية لوعي الإنسان بالعالم من طفولته إلى شيخوخته.. كأنها تتحرك من البداية للنهاية على خيط رهيف يشدها جميعًا لحكاية كبيرة موزعة على مزق مشاهدها. نحن هنا في القلب من عالم واحد اختار شخوصه بعناية ليطرح تصورًا عن الزمن، وهو يتحرك بذوات هامشية لا تملك أمامه سوى التذكر، بينما تتجرد من ملامحها تحت الأصباغ الهائلة لمدينة تقدم نفسها كدمية عملاقة تبتسم، المكان أيضًا يعاد تشكيله كحفنة غرف طارئة تزحف على الحجرات القديمة لتحل محلها وتنوب عنها، ممسكة بزمام الحدث السردي الذي يجلو المفارقة، دون كلل، بين ما كان وما هو ماثل الآن. العالم هنا يكتظ بأحلام الطفولة ومفرداتها مثلما يحتشد بالعلامات التي فرضها النضج لتصير معادلًا لآلامه بينما يتأمل دون طائل فراديسه المفقودة، لا أحد يبقى في مكانه مثلما لا يبقى شيء على حاله، وهكذا تنقلنا القصص المتشابكة من وعي الطفل وهو يتساءل منفعلًا عما يمكن أن يمثله مقدم عام جديد أو عن معنى تيه حيوان ضل طريقه أو رمزية حبة فاكهة تختصر عالمًا معذبًا ينهض من خلفها، إلى وعي شيخ يبحث عبثًا عن رائحة مستحيلة لم يعد لها وجود. بلغة حيوية، يمزج أصلان بين مرونة السرد وكثافة المشهد مع ومضات حادة من التأمل تجعلنا في الأخير أمام نصوص سردية مختلفة، تحتفي بالحسية في كافة تمثلاتها، مفتشة عن الغريب في الواقعي، وباحثة عن الاستثنائي في المألوف وباعثة للشعري في أشد الصياغات عفوية.- طارق إمام