يرجع أول إتّصال بين العرب المسلمين والأتراك إلى ما بعد القضاء على الدولة الساسانية في معركتي القادسية ونهاوند سنة 641م، ليصبحوا، بعد فترة وجيزة، إلى جانب العرب المسلمين، يحملون راية الإسلام في أواسط آسيا ويدعون بني جلدتهم إلى الدين الحنيف وأسّسوا دُولاً إسلامية منها: الدولة القرة خانية (840- 1212)، والدولة الغزنوية (963- 1186)، ...
قراءة الكل
يرجع أول إتّصال بين العرب المسلمين والأتراك إلى ما بعد القضاء على الدولة الساسانية في معركتي القادسية ونهاوند سنة 641م، ليصبحوا، بعد فترة وجيزة، إلى جانب العرب المسلمين، يحملون راية الإسلام في أواسط آسيا ويدعون بني جلدتهم إلى الدين الحنيف وأسّسوا دُولاً إسلامية منها: الدولة القرة خانية (840- 1212)، والدولة الغزنوية (963- 1186)، والدولة السلجوقية (1092- 1307)، والدولة الخوارزمية (1097- 1231)، والدولة المملوكية (1250- 1517)، والدولة العثمانية (1299- 1922).كان إنتشار الإسلام بين الأتراك، فاتحةً عهدٍ جديدٍ في حياتهم الثقافية والإجتماعية، وقد تأثروا تأثّروا كبيراً بالثقافة العربية الإسلامية، حتى أخنوا يبتعدون شيئاً فشيئاً عن ثقافتهم القومية، وكان لتبنيهم الحروفّ العربية في كتابة اللغة التركية، أبرزُ الأثرِ في إنتقال الكثير من الألفاظ العربية والفارسية وخاصة تلك المتعلقة بالعلوم الإسلامية إلى اللغة التركية.أول من أشار إلى التأثير المتبادل بين اللغة العثمانية التركية واللغة العربية، هو الشاعر العراقي معروف الرصافي (1875- 1945)، الغني عن التعريف، وقد عاش في استانبول سنوات طويلة وأصبح نائباً في مجلس المبعوثين العثماني، وبالتالي كان يجيد اللغة التركية إجادة تامة.لم يكن الرصافي يعارض تعريب الكلمات الأجنبية، بل كان يدعو إليه، لا أنه كان يعترض أشد الإعتراض على إستعمال الكتاب العرب الألفاظ التي استخدمها العثمانيون، ولا سيما تلك التي لا تتماشى مع القواعد العربية، فألّف كتاباً سماه "دفع الهجنة في إرتضاح اللكنة حاول فيه تنبيه أبناء قومه إلى ذلك، وقد طبعه في استانبول بمطبعة "صداي ملّت" سنة 1331هـ/ 1912- 1913م، على نفقة إدارة مجلة "لسان العرب" التي كان يصدرها في استانبول أحمد عزّت الأعظمي، والكتاب نادر وقد نقل الأستاذ مصطفى علي صفحات كثيرة منه في كتابه "الرصافي - صلتي به، وصيته، مؤلفاته".قال الرصافي في فاتحة كتابه (ص 3): "أما بعد، فهذه عدة كلمات وألفاظ عربية جمعتُها من اللغة العثمانية، يلزم كل من عُنِىَ بلغته من أبناء العرب أن ينظر فيها ويتدبرها، لتكون له وافية من العُجمة وحامية من اللكنة، فإنّ هذه الألفاظ منها ما استعمله أهل اللسان العثماني في غير معناه العربي، ومنها ما لم يكن عربياً وهم يحسبونه عربياً، وقد أخذها العرب منهم فاستعملوها استعمالهم وهم لا يشعرون، وذلك لكثرة الإختلاط بين الفريقين، فرأيت أن أضع هذه الرسالة لأنبه فيها على تلك الألفاظ بذكر معانيها العربية ومعانيها العثمانية وبيان ما هو عربي منها وما هو غير عربي وسمّيتُها (دفع الهجنة في إرتضاخ اللكنة) فعسى أن تكون لبني قومي نافعة ولتلك الهجنة دافعة".وقد جمع الرصافي في كتابه المذكور ثمانية وتسعون وثلاثمئة كلمة عربية مستعملة في اللغة التركية وقسّمها إلى خمسة أقسام وهي: 1-ما لم يغيروا لفظه ولا معناه، 2-ما غيروا لفظه ومعناه (ثلاث عشرة كلمة)، 3-ما غيروا لفظه دون معناه (إحدى وسبعون كلمة)، 4-ما غيروا معناه دون لفظه (أربع وعشرون ومئتي كلمة)، 5-ما وضعوه من عند أنفسهم قياساً على القواعد العربية وليس هو من كلام العرب (تسعون كلمة).والقسمان الرابع والخامس، هما غرض الرصافي حينما وضع كتابه، إذ بهما يقع الإلتباس ومنهما تنشأ اللكنة، لأنها ألفاظ عربية المبنى تركية المعنى.