يستولد عنوان هذا الكتاب تساؤلات في ذهن القارئ: لماذا تأويل التاريخ العربي وليس تأويل التاريخ الإسلامي أو تأويل التاريخ العربي والإسلامي؟ وما المقصود بالعرب؟ هل يعني بهم الباحث المجموعة العرقية الناطقة بالعربية اليوم أم مختلف الشعوب التي عرفت الثقافة العربية الإسلامية على مرّ التاريخ؟ لقد بدا التاريخ مشغلاً مركزياً عند كثير من ال...
قراءة الكل
يستولد عنوان هذا الكتاب تساؤلات في ذهن القارئ: لماذا تأويل التاريخ العربي وليس تأويل التاريخ الإسلامي أو تأويل التاريخ العربي والإسلامي؟ وما المقصود بالعرب؟ هل يعني بهم الباحث المجموعة العرقية الناطقة بالعربية اليوم أم مختلف الشعوب التي عرفت الثقافة العربية الإسلامية على مرّ التاريخ؟ لقد بدا التاريخ مشغلاً مركزياً عند كثير من المفكرين العرب ولكن معالجة المسألة التاريخية توزعت بين العديد من زوايا النظر، فهناك المعالجة التراثية التي أساسها التجديد والدفاع عن التراث سواء بتوجه إسلامي أو بتوجه عروبي، وهناك من يلوذ بالمعالجة الابستيمولوجية، وهناك من يعتمد مقولات ذات مرجعية فكرية محددة مثل القراءة الماركسية، وهناك أعمال نحت منحى السرد الوقائعي للتاريخ، وأعمال أخرى حاولت التوفيق بين السرد والتحليل.الا أن الباحث لاحظ أن الخطاب في أعمال المفكرين المغاربة المعاصرين ينزع نحو ربط السرد بالتحليل وربط التحليل بالفهم ولا سيما عند ثلة منهم، ورأى بأنهم أقرب الى معنى التأويل من غيرهم، من هنا عمد الباحث الى الاجتهاد وفي تدبر نصوصهم لتكون منطلقاً الى تأويل التاريخ العربي. فهل نزع هؤلاء المفكرون الى استحضار التاريخ الحدثي؟ أم أنهم قاموا بصياغة تاريخ تحليلي؟ أما أنهم عمدوا الى ربط هذا بذاك فكانوا مؤرخين ومفكرين؟ وإلى أي مدى كان عملهم نقدياً تأسيسياً.ومن ناحية أخرى؛ فقد اتسع مجال الدراسة التاريخية اليوم وازداد غنى بانفتاحه على العلوم الحديثة كعلم النفس وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا وعلم الأديان المقارن واللسانيات وغيرها من المعارف التي صاحبت التطور في مستوى المناهج وطرائق المقاربات كالمناهج التاريخية والتفكيكية والتأويلية... كل ذلك بهدف فهم الحقيقة وتحقيق الفهم وتأويل التاريخ بصورة أقرب الى الموضوعية والتاريخية. وطرح المفكر العربي على نفسه أسئلة مؤرقة ما فتئت تتردد منذ زمن، لعل باعثها الرئيسي، وكما يرى الباحث، رداءة الحاضر وفشل محاولات الاصلاح. والتساؤلات هي: لماذا آلت الحضارة العربية الاسلامية الى الضمور والتأخر؟ كيف انبنت أحداث التاريخ وأفكاره وأحلامه؟ وكيف طمرت الطموحات والاجتهادات؟ كيف تعاقبت الأحداث والعصور وتراكمت المبادئ والأفكار وتتالت النظم والمؤسسات وترافدت القوانين والتشريعات حتى صار العرب الى هذه الحال؟ ولماذا لم يعرفوا نهضة حقيقية؟ وكيف بإمكانهم الاستفادة من الثورة المعرفية الغربية؟ وكيف السبيل الى مغادرتهم بوتقة السجال الايديولوجي الفجّ؟هذه بعض الاستفهامات الكبرى التي طرحت في شأن التاريخ العربي، وفي هذا السياق، رأى الباحث أن كثيراً من المفكرين المغاربة المعاصرين يمثلون بؤرة استقطبت البحث العلمي الرصين الذي ينأى عن الهوس الايديولوجي الفجّ، ويربأ بنفسه عن ضروب الجدل العقيم، وبدا له أن هماً معرفياً مشتركاً يربط بينهم يندس بين تأويل التاريخ العربي والإسلامي لتحريره من سطوة التراث الضاربة في الوجدان وإحلال التاريخية مفهوماً مركزياً في البحث والمعرفة من جهة، والكشف عن أنوار العقلانية التي طمرت تحت مطرقة التكفير والتقليد من جهة ثانية؛ خاصة اذا تم استحضار تأكيد معظمهم الحرص على تحقيق موضوعية علمية.وعلى هذا رأى الباحث بأن بحثه هذا، وانطلاقاً من تلك الأهداف، يكون أشمل وأعمق اذا كان نظره مركزاً على مجموعة محددة من المفكرين الحداثيين النازعين الى تأويل التاريخ العربي، متوقفاً عن المحاولات الجادة في مساءلة التاريخ وخاصة تلك التي تخلصت بأكثر قدر ممكن من الخلفيات الأيديولوجية الواضحة في الفكر العربي؛ ماركسية كانت أو اسلامية أو قومية؛ لأن هذه المحاولات التي كانت محل الدراسة في هذا البحث، والتي اعتقد الباحث بجديتها، انما تجتهد في تحقيق أقصى قدر من العلمية وتحاول الاستفادة ما وسعها من الحداثة المعرفية لتقريبها الى عموم المجتمع العربي، فأولى بالباحثين ثم أولى بهم الاهتمام بهذه الأعمال الرصينة لمعرفة الذات العربية فيتحقق حينها لهم مع الهدف المعرفي؛ الهدف الأنطولوجي.وإلى ذلك وقع اختيار الباحث على نماذج تمثيلية للفكر المغاربي الحديث من شأنها أن تعطي شهادة دالة على هذا الفكر وتقيّم مسيرته المعرفية والحداثية، تمثلت هذه النماذج بأعمال كل من المفكر المغربي عبد الله العروي، والمفكر التونسي هشام جعيط والمفكر الجزائري الأصل محمد أركون. ومما شجع الباحث على ذلك، اشتراك هؤلاء المفكرين في الانتساب الى علم التاريخ أصلاً، واعتمادهم على المرجعية الفلسفية في قراءاتهم، وانفتاحهم على العلوم والمناهج الحديثة المختلفة في كتاباتهم التي، بالاضافة الى ذلك، حفلت بكثير من العمق في التحليل. وأخيراً تجدر الاشارة الى أن هذا البحث هو في الأصل أطروحة دكتوراه نوقشت في كلية الآداب والعلوم الانسانية بصفاقس، تونس. حصل الباحث على درجة مشرف جداً.سعيا منا إلى التفكير في الخطاب العربي المعاصر الذي يعالج مسائل التاريخ، وحرصا على تحليل أليات الفكر العربي الحديث في تأويل الماضي والعقل التراثي، عمدنا إلى كتابات بعض المفكرين المغاربة المعاصرين نتدبر أراءهم ومناهجهم و رهاناتهم بالتقصي و النقد في نزوع منا إلى تكوين مشهد عام عن الخطاب التحديثي في الفكر العربي المعاصر، فلعل ذلك يكون المسوغ الأول لطرح موضوع "تأويل التاريخ العربي عند بعض المفكرين المغاربة المعاصرين". والقارئ لعنوان المبحث تستوقفه لا شك جملة من الإحراجات التي يثيرها الموضوع ويبدو له العنوان من أول وهلة إشكاليا من وجوه.لماذا نتحدث عن تأويل التاريخ والحال أن كتابة التاريخ فعل تأويلي بالضرورة؟ اليس التأويل بداهة من بداهات العقل البشري المؤمن أبدا بثنائية الظاهر والباطن؟ السنا نعتقد بان كل ظاهرة لها وجه وقفا أو سطح وقاع؟ فهل نعني بالتأويل التاريخي بالغوص إلى الأعماق بتجاوز العوارض أم نهدف إلى معنى أخر؟