لقد اعتمدت في هذه الدراسة على "نقد النماذج العليا"، بالإضافة إلى تبنى أدوات منهجية أخرى تتفق معه في التعامل مع الرمز غير الزمني، وترتكز عملها على المادة المخزونة في الذاكرة الجماعية ومحتويات "اللاوعي" التي تتشكل منها صور النماذج العليا ورموزها، ويترك أسلوب الأداء الفردي عليها سماته المميزة. بهدف الكشف عن صور هذه النماذج في شعر ذ...
قراءة الكل
لقد اعتمدت في هذه الدراسة على "نقد النماذج العليا"، بالإضافة إلى تبنى أدوات منهجية أخرى تتفق معه في التعامل مع الرمز غير الزمني، وترتكز عملها على المادة المخزونة في الذاكرة الجماعية ومحتويات "اللاوعي" التي تتشكل منها صور النماذج العليا ورموزها، ويترك أسلوب الأداء الفردي عليها سماته المميزة. بهدف الكشف عن صور هذه النماذج في شعر ذي الرمة، وفهم الجانب النمطي فيه، وما جد عليه من تحوير بتأثير من التصورات الإسلامية. هذا إلى جانب الكشف عن كثافة لغته التصويرية وميلها إلى الاتسام بالطابع الأسطوري، وفهم طريقته الخاصة في التشكيل من مادة خيال معينة، وما يستعين به لتحميلها رموزاً تسهم في تكوين عالم خياله وحلمه الفني.وتحقيقاً لهذا الهدف استعنت بنقد النماذج العليا التي أرسى "كارل جوستاف يونج" أسس تصورها، وأفاد منها "نورثروب فراي" على المستوى النقدي كما أفدت من طريقة "مود بودكين" في دراستها لصور النماذج العليا في الشعر ورموزها من منطلق البحث في سيكولوجية أحلام الخيال الفني ومادتها ذات الأبعاد الرمزية الكثيفة، وسمات التفرد في الاغتراب من المنابع الكلية التي تتوالد صورها من جديد في أشكال أبدية التجدد، مثلما أوضح "اريك فروم" في كتابه "اللغة المنسية".ومن ثم، فلقد حددت في المدخل من هذه الدراسة بداءة موضع الاتجاه الأسطوري من الاتجاهات الأخرى، ومباحث الخيال في إفادتها من نقد النماذج العليا والمبحث الظاهراتي، ثم عرضت بعد ذلك لمواقف النقاد القدامي والمحدثين من المجموعة الشعرية موضع الدراسة والخطوط العامة لهم: منطلقاتهم وأهدافهم ومدى قربهم منها أو بعدهم عنها، وموقع الدراسة الحالية منها وطموحاتها في استكمال ما فاتهم.لقد عمدت في الفصل الأول لدراسة رمز المرأة بغية الكشف عن تجليات هذا النموذج الأعلى في الصور، وملامحها، من خلال استكناه الوعي بالظاهرة الأنثوية وتجلياتها للكشف عن ثراء رمزية الوجود الأنثوي ممثلاً في المرأة والطبيعة والحيوان وأصوله في الأساطير والديانات والفن من جانب وعن مغزى تجربة الحب في مستوياتها الفردية والجمعية الإنسانية والكونية من جانب آخر.أما الفصل الثاني فقد بحثت فيه الصور النمطية للحيوان والرموز التي تتبطن أنماط التشكيل الفني لها في التقاليد الجاهلية وما جد عليها من تحوير في البنية والشخصية والوظيفة الطقسية، وما انسحب عليها من ظلال إسلامية. وأديره حول قصص صراع الحيوان النمطية خاصة في تمثيلها طقس عبور تخوضه الناقة في مواجهة وحش الجفاف الصحراوي، وبوصفها صورة للقوى المساعدة للبطل. ومن تلك الصورة الأم تنفتح صور صراع حيوانية أخرى من مثل صورة صراع الحمار الوحشي مع الصائد، وصورة الثور الوحشي مع كلاب الصائد التي توازي طقس عبور من جانب وتعكس صورة صراع أسطوري بين فصول الطبيعة رددت أصداءه أساطير نجمية حفظها الموروث العربي الأسطوري.ومحور الفصل الثالث صور الطبيعة النمطية وما يدور حولها من تساؤلات حول الخير والشر في الطبيعة وإرادتها واستقلاليتها وطاقاتها ووعيها وقواها السلبية والإيجابية الفاعلة وموقف الإنسان منها والملامح الطقسية التي شكلتها مما يفتح الباب لفهم أحلام الخيال الفني في النص الشعري موضع الدراسة: من مثل حلم الولادة، وحلم الطهارة، وحلم بناء النموذج المثال، وهدمه، من خلال تحليل ظواهر الطبيعة كالرياح والليل والنهار والفصول والصحراء ودورة القمر. كذلك أقف عند بعض صور الطبيعة التي يتسم أسلوب تصويرها بطابع شيق من مثل صور توليد النار وامتياح البئر واختراع الصحراء وغيرها.