"هذه هي أيام "الحصيدة"-يا أصدقائي-أمواج من الذكريات تتدفق في ذاكرة، لم يعد فيها غير بقايا وشظايا، تبعثر في الدروب الأبدية، كلّ درب يفضي إلى درب، وكل دوار يفضي إلى دوار؛ أيام "لحصيدة"، هي أيام الإيغال في الماضي والاغتراب، والزمن الذي لا يدور، وهي أيام الحصار، والليل الضارب في أعماق الروح والوجدان. في أيام "الحصيدة"، تعانق الشمس ا...
قراءة الكل
"هذه هي أيام "الحصيدة"-يا أصدقائي-أمواج من الذكريات تتدفق في ذاكرة، لم يعد فيها غير بقايا وشظايا، تبعثر في الدروب الأبدية، كلّ درب يفضي إلى درب، وكل دوار يفضي إلى دوار؛ أيام "لحصيدة"، هي أيام الإيغال في الماضي والاغتراب، والزمن الذي لا يدور، وهي أيام الحصار، والليل الضارب في أعماق الروح والوجدان. في أيام "الحصيدة"، تعانق الشمس الجباه المخضبة بالدم والعرق، وتبدو الأرض وكأنها تلفظ بقايا الجسد الآدمي عبر دوامة العمل المضني. عندما وقفت سيارة "الجيب" الصغيرة أمام باب الدار في "الحي القديم" كانت آمنة تصرّ على "مرعي" أن لا يذهب "حامد" معهم إلى موسم "الحصيدة"، فقد كانت تخشى عليه من حرارة الشمس، ومن الأفاعي التي تتلوى من شدة الهاجرة، لكن "مرعي" كان يريد أن ينشأ "حامد" كما يقال نشأة "رجال" ويشاركهم في هذا الموسم الملعون! هذه المرة موسم "الحصيدة" في قرية "الخربة السمرا" وأنت تعلم أن هذه المنطقة مشهورة بضباعها، وليلها القاتم، وقيظها الشديد!.. دعيه يا آمنة يذهب معنا، فالولد قد تعوّد أن يلعب مع "جميلة" كل عام في المواسم، وأخاف... ما كنت تعلم يا حامد أن هذا الزمن يكتنز كل هذا الحزن في أعماقه، وما كنت تدري، أن منفاك الأبدي هو وجودك، وأنك ستبقى تعيش في دوائر الانتظار إلى الأبد، هذه الحياة يا حامد التي تغتال منّا كل اللحظات الجميلة، في قسوة وبرودة لنبقى في النهاية كومة من الذكريات الهزيلة، والخطوط المتقاطعة والمتداخلة في دوار جهنمي! جميلة لم تكن بالنسبة إليك يا حامد... "ابنة بلد" وصديقة طفولة، جميلة كانت أكبر من ذلك، كانت "الحلم" المتجدد فيك حتى النهاية، والفضاء الذي تحتل فيه جميع الأشياء حيزها ووجودها والأمداء التي ينطلق فيها صوتك الدموي القاحل إلى هذا العالم. في الخيمة كنت تحس بوجدانك الطفولي، أن جميلة ما هي إلا موسم من هذه المواسم، وسوف يطوى مع مغيب الشمس التي ترقبها بدهشة طفولية ساذجة!".ينتشر في مساحة النفس عبق الماضي مسرباً من كوة الذاكرة صوراً ممزوجة بحنين وبلوعة وبمشاعر لدى الراوي على هيئة قصص صغيرة كانت مطوية في زوايا النفس. هي حكايا الحصاد في أيام عمره. تجارب حياتية يرويها الكاتب من خلال حامد الشخصية المحورية لهذه الرواية الذي يتمتع بنزعة رومانسية وبمشاعر دافقة تجعل من الحدث حتى السياسي يأخذ طابعه الإنساني، فهو وعند إحدى محطات حياته التي يروي تفاصيلها ذاك الفلسطيني الذي تستبد به "شهوة" العودة التي طال انتظارها عبر أروقة الأمم الملعونة، والسياسات العارية،و مهرجانات الصخب، والوعود التي تضيع فرص الأحلام والرؤى، وتجعل الواقع يتحول، ويتحول يوماً بعد يوم ليصبح هو الحلم المشروع على آفاق الغيب، ينتظر المزيد المزيد من الدم الحرام، والعرق الذي يصور في مرايانا الهزيمة، نعم العزيمة، ولا شيء غيرها!". بعبارة أخرى يرسم الروائي من خلال حامد، شخصية الإنسان العربي الممتزجة حياته بالحزن على أمل مغيّب، والغارق في إحباطاته الحياتية والسياسية والاجتماعية وو.... حتى القاع.