إن الحديث عن الحوار في ضوء الهدي النبوي الشريف يقتضي منَّا أن ننظر فيما إذا كان الإسلام يقدِّم أنموذجا أو تصورا للحضارة. وهنا لا بد من استحضار أمرين: أولهما أن الحضارة التي أسسها المسلمون في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، قامت على دعائم وأسس أهمها المعرفة التي جاء بها الإسلام، وهي معرفة ليست كما يقول خصوم المسلمين معرفة غيبية، ...
قراءة الكل
إن الحديث عن الحوار في ضوء الهدي النبوي الشريف يقتضي منَّا أن ننظر فيما إذا كان الإسلام يقدِّم أنموذجا أو تصورا للحضارة. وهنا لا بد من استحضار أمرين: أولهما أن الحضارة التي أسسها المسلمون في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، قامت على دعائم وأسس أهمها المعرفة التي جاء بها الإسلام، وهي معرفة ليست كما يقول خصوم المسلمين معرفة غيبية، ولكنها معرفة تقوم على التجريب والملموس، وعلى اختبار الأشياء. أما الأمور الغيبية فقد وردت في الإسلام بشكل محلول، حتى لا يضيع فيها جهد الفكر الإسلامي. ثاني الأمرين هو اعتماد الحضارة الإسلامية على مبادئ وقيم يمكن أن نجملها في مبدأ "التقوى"، لأنها تتضمن جملة من القيم عليها تقوم الحضارة وتتشيد الثقافة ويتحقق التقدم العلمي، من موضوعية ونزاهة فكرية وإخلاص وابتعاد عن الأهواء والشهوات. ومن أسسها: الشمولية والتكامل. لأنها لم تكن أحادية منغلقة، وإنما كانت تمس مختلف جوانب الإنسان ومتطلبات الحياة الإنسانية من أمور مادية وأمور روحية، فردية واجتماعية.. تجرنا هذه النظرة الشمولية إلى تبين دعامة أخرى في الحضارة الإسلامية كما أقامها الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهي التفتح الذي عرفه المسلمون في عهودهم الأولى المزدهرة. يبدأ هذا التفتح من التقارب بين الأجناس، وعدم التعصب لجنس معين، ونعرف أنه في الإسلام لا فرق بين عجمي وعربي إلا بالتقوى، ولا فرق بين زيد وعمرو إلا بالمقومات التي جاء بها الإسلام ودعا إليها؛ وما سوى ذلك فإنه لا يوجد ما يمكن أن يشار إليه بالتعصب أو التطرف. لقد كان التفتح على الآخر من أسس ازدهار الحضارة الإسلامية، وأكبر مظهر له هو إقبال المسلمين على العلوم وترجمتها، ولم يتركوا إلا ما كان في ذهنهم أنهم متفوقون فيه مثل الشعر، لكن ما سوى ذلك، كمجال العلوم والفنون، فقد عنوا به ونقلوه دون أدنى شعور بالنقص أو الحرج. يمكن أن نضيف في إطار دعامات الحضارة الإسلامية: الاستقرار بكل جوانبه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهو الذي كان خلف هذا الازدهار الذي عرفته أمة الإسلام في عهودها الأولى، والذي نتجت عنه مظاهر التقدم والرقي. هنا لا بد من طرح سؤال محوري، هل كانت هذه الحضارة وليدة المصادفة؟ أم كانت وليدة منظور ثابت ومستوف لكل الشروط التي جاء بها الإسلام؟ ونحن نعلم بأنها كانت وليدة منظور يقوم على مقومات ثلاثة:• المقوم الأول: هو الإيمان• المقوم الثاني: هو الدعوة إلى العمل. وحين نقول العمل نعني أيضا الانتاج والابتكار والإبداع.• المقوم الثالث: هو التواصل معَ الآخر. ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3]. نجد أنفسنا مضطرين للوقوف عند هذا المقوم الثالث الذي هو التواصل، من خلال التواصي بالحق والصّبر. ومن خلال قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ﴾ [الروم: 22] لماذا يدعو الإسلام إلى التواصل أو الحوار وكيف طبقه النبي، صلى الله عليه وسلم؟=