للقارئ العربي الكريم كوكبة من الشعراء المعاصرين الذين رفعوا لواء التجديد عالياً، وساروا به بعيداً، غير عابئين لما يتعرضون له من هجوم أو نقد أو معارضة.وقد انطلقت في كتابي هذا ابتداءً من انطلاقة الشعر الحر في العالم العربي على أيدي الرواد؛ نازك، والسياب، والبياتي، ثم من جاء بعدهم، ومما يجدر ذكره أنه بعد الانطلاقة الأولى للشعر الحر...
قراءة الكل
للقارئ العربي الكريم كوكبة من الشعراء المعاصرين الذين رفعوا لواء التجديد عالياً، وساروا به بعيداً، غير عابئين لما يتعرضون له من هجوم أو نقد أو معارضة.وقد انطلقت في كتابي هذا ابتداءً من انطلاقة الشعر الحر في العالم العربي على أيدي الرواد؛ نازك، والسياب، والبياتي، ثم من جاء بعدهم، ومما يجدر ذكره أنه بعد الانطلاقة الأولى للشعر الحر، توالت الأصوات وتقاربت في الزمن، ولكني حاولت أن أرتب هؤلاء الشعراء زمنياً وبخاصة في النصف الاول من هذا الكتاب قدر الإمكان.وأود أن أنوه في هذه المقدمة إلى أمرين مهمين:الأول: أنني لم أستكمل شعراء هذه الفترة الزمنية، أي ابتداء من منتصف القرن العشرين تقريباً، ولن يستطيع أحد ذلك، لأنه لا يستطيع أن يحصر الأنفاس، وإنني لم أغفل ذكر شعراء مشهورين في هذه الفترة، ولم أتناس ذلك. ولكن لظروف خاصة لم أستطع استكمال دراسة هؤلاء الشعراء دراسة وافية، وحرصاً على مساواة هؤلاء الشعراء بأقرانهم آثرت التريث، وآمل أن استكمل دراسة هؤلاء الشعراء من الطبعة الثانية للكتاب إن شاء الله، بعد أن تكون قد تهيأت الأسباب لذلك وأعددت للأمر عدته. فقد أدركني القصور، وضاقت بي السبل، وفوجئت بصاحب المطبعة، فآثرت أن يخرج الكتاب على حاله، خوفاً من الحدثان، وما قد يعتري الإنسان، ولعلمي بأنني مهما حاولت فلن أبلغ مرحلة الرضا والاستحسان.أما الأمر الثاني: فإنني لم أتطرق، ولم أتعرض للشعراء الذين اقتصروا على كتابة القصيدة العمودية، والتزموا بعمود الشعر العربي، وسيظل هذا العمود قائماً إلى الأبد إن شاء الله، وذلك ليس انتقاصاً أو إهمالاً، ولكني أردت أن يأخذ كتابي منهجاً محدداً، ومساراً معيناً، وخوفاً من الإطالة والتشعب، علماً بأن أغلب من تناولتهم بالدراسة قد كتبوا في الفنين، ولم يقتصروا على اتجاه واحد، وقد أبدعوا وأجادوا إيما إجادة، وليس الهدف تفضيل اتجاه على آخر، فالإبداع لا يحصره الشكل، ولا يحدده الزمن.لقد فتشت عن سمات مشتركة تربط بين إنتاج هؤلاء الشعراء، ووجدتها؛ إنها: الحزن، والأسى، والألم، والكآبة، والغضب، ... ولكن الغضب كان أكثرها توهجاً وإشعاعاً، وقد يظل الحزن والألم حبيسين في النفس المكلومة، وتعبر عنهما بحزن، ولكن الغضب لا بد أن يتأجج ويظهر ويؤدي إلى الثورة، الثورة المنتظرة على كل أشكال الظلم والتعسف، والقهر، والانحطاط، والتخلف... الثورة على كل من وما يمتهن إنسانية الإنسان، وينتقص منها... الثورة العارمة التي تؤدي إلى المساواة الحقيقية بين بني البشر، والانتصار للمظلومين والفقراء والمشردين... تلك هي السمة البارزة التي عبر عنها شعراء هذا الجيل.وقد عبر الشاعر محمود درويش عن هذا الموقف صراحة دون مواربة حيث يقول:الزنبقات السود في قلبيوفي شفتي اللهبمن أي غاب جئتنييا كل صلبان الغضبغضب يديغضب فميودماء أوردتي عصير من غضبيا قارئي لا ترج مني الهمس