"سارت الإمبراطورية وقد أحنت السنون ظهرها وزعزت قدميها، لقد غدت في عداد المبرات، ودهمتها الشيخوخة فناءت بجملها الثقيل، وشعرت بالتعب بعد عدة خطوات فقعدت تمتع ناظرها بمناظر الحديقة الخلابة!...لقد غدت أشبه بحطام سفينة عصفت بها أنواء المحيط ثم قذفتها حطبة لا حياة فهيا، فمها تهدلت شفتاه وهجرته أسنانه ووجهها تجعد وغار حدّاه مكانه جمجمة...
قراءة الكل
"سارت الإمبراطورية وقد أحنت السنون ظهرها وزعزت قدميها، لقد غدت في عداد المبرات، ودهمتها الشيخوخة فناءت بجملها الثقيل، وشعرت بالتعب بعد عدة خطوات فقعدت تمتع ناظرها بمناظر الحديقة الخلابة!...لقد غدت أشبه بحطام سفينة عصفت بها أنواء المحيط ثم قذفتها حطبة لا حياة فهيا، فمها تهدلت شفتاه وهجرته أسنانه ووجهها تجعد وغار حدّاه مكانه جمجمة في عيادة طبيب، ونظرت الإمبراطورية إلى وصيفتها وقالت لها بنبرة يشوبها الحزن: حبذا لو كان الأباطرة يستطيعون البقاء أبداً في شرخ الشباب! ونهضت تصعّد زفرة حرّى وساعدتها الوصيفة في العودة إلى القصر.وعبثاً حاولت الإمبراطورية أن تلاطف "زويوف" عشيقها الأخير وتدله لتبقيه لها وحدها، لكنه خانها كما خانها أسلافه، أما زوبوف، فقد بالغ في جبروته ودلاله، والتف حوله الخدم ينتظرون من سيدته أجراً وما سألها حاجة، وعرضت عليه أملاكاً فرفضها، ولكنه كان يعرف من أين تؤكل الكتب ويجيد أساليب المداهنة والتمثيل وكاد يكون هو الإمبراطور بدل كاترين، فما قضت حاجة إلا على يده، ولا جلت عقدة إلا بمشورته!...في ذلك اليوم السادس عشر من تشرين الثاني سنة 1796 نهضت كاترين على عادتها فرحة وهي منيرة المحيا لكأنها تناست شيخوختها إلى حين، فالحياة جميلة وزويوف أجمل، والفرنسيون قد رُدّوا على أعقابهم وغلبوا على أمرهم، وتراجع قائدهم مورو إلى ما وراء الرين منهزماً مع جنده، كانت كاترين يوفداك في شتائها السابع والستين، ومع ذلك فقد بدأت عملها كالمعتاد، وكانت الساعة تدق الثامنة حين شعرت بدوار، فنهضت تحاول الوقوف، ونضح جبينها بعرق بارد وشحب لونها حتى حاكى الشمع فأسرعت إلى غرفة زينتها... طالت غيبتها وانقضت الساعات ولمّا تعد، وفتش عنها زويوف فلما رأى بابها موصداً دقه وكانت متتابعة بعصبية، ثم حطم القفل عندما لم يسمع جواباً، ودخل مذعوراً...كانت كاترين مسجاة مشلولة نصف ميتة، وساقاها متباعدتان وعلى فمها رغوة حمراء وشعرها مبعثر... ماتت كاثرين... وخاف زوبوف وبدا له المصير قائماً، فقد انصرف عنه من كانوا بالأمس يتمرغون على قدميه، وشعر بالفراغ الرهيب...بين الواقع والخيال تمضي أحداث قصة الإمبراطورة كاثرين التي كان لها تاريخ حافل، فهي الإمبراطورة التي هزّت أوروبا بإنتصاراتها ومغامراتها والتي جمعت في قبضتها النصر والحب، لكنها، في كل ما فعلت، لم تبق وفية إلا لبلادها روسيا.