لا يوجد في تاريخ الإنسانية ثورة كتب لها المجد والخلود سوى تلك القائمة على تجديد الرؤى والأفكار، أما ما يحدث في العالم العربي الآن فهو ليس سوى ثورة شعوب ضد أنظمة سياسية يشتركون معها في ذات الثقافة والفكر والبنى المعرفية. إن جنة ما بعد الثورة التي يبشر بها الوعاظ الجدد من منظري الحركات الإسلامية ليست سوى حلم طوباي سرعان ما تتلاشى ...
قراءة الكل
لا يوجد في تاريخ الإنسانية ثورة كتب لها المجد والخلود سوى تلك القائمة على تجديد الرؤى والأفكار، أما ما يحدث في العالم العربي الآن فهو ليس سوى ثورة شعوب ضد أنظمة سياسية يشتركون معها في ذات الثقافة والفكر والبنى المعرفية. إن جنة ما بعد الثورة التي يبشر بها الوعاظ الجدد من منظري الحركات الإسلامية ليست سوى حلم طوباي سرعان ما تتلاشى سكرته حين تترك الجماهير ساحات الميادين، وتبدأ عجلة النظام في تخليق أصناف جديدة من الاستبداد المتلفع برداء المقدس.بيد أن للربيع العربي مكاسبه القادرة على قلب هذه المعادلة الخاسرة، وتتمثل أهم تلك المكاسب في اكتشاف الناس للأدوات التي تمكنهم من التواصل، وإعادة ترتيب الصفوف باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي التي توفر مساحات شاسعة لطرح الرؤى والأفكار التي كانت تصطدم بمقاصل الرقيب ومشانق الفتاوى التكفيرية.في هذه اللحظة التاريخية الفارقة التي يواجه فيها بنيان الأمة وكيانها الحضاري عملية إعادة ترسيم لخارطة الجغرافيا والأفكار، ومع انفتاح أبواب الإبداع أمام جميع المناضلين الفكريين، لم يعد لدى المثقف العربي أي خيار سوى النزول من برجه العاجي، وإعادة قاطرة الصعود الحضاري للأمة إلى مسارها، أو الاستقالة الأبدية من مكانته المعنوية في ضمير المجتمع.من الثورة يبدأ كل شيء، ومن الثورة انطلق الكتاب متأملا في ملكوتها، ومتدبرا في تجلياتها القدسية، محاولا استنطاق الكائنات عن سر البدايات والنهايات، وما بين البداية والنهاية سفر طويل من البحث والدرس عن الأسباب والعوامل والإرهاصات والكرامات.