مقدمة المؤلفعلى الرغم من الدور الهام للإعلام الاجتماعي فى السياق الاجتماعى والاقتصادى والسياسى والأمنى فى المجتمعات العربية، فلا تزال الدراسات في الأوساط الأكاديمية والبحثية حول هذا الموضوع شحيحة، ويعتبر هذا الكتاب ثمرة جهد بحثى متصل حول ظاهرة الإعلام الاجتماعي وأبعادها السياسية والإستراتيجية والاقتصادية، باعتبارها واحدة من أهم ...
قراءة الكل
مقدمة المؤلفعلى الرغم من الدور الهام للإعلام الاجتماعي فى السياق الاجتماعى والاقتصادى والسياسى والأمنى فى المجتمعات العربية، فلا تزال الدراسات في الأوساط الأكاديمية والبحثية حول هذا الموضوع شحيحة، ويعتبر هذا الكتاب ثمرة جهد بحثى متصل حول ظاهرة الإعلام الاجتماعي وأبعادها السياسية والإستراتيجية والاقتصادية، باعتبارها واحدة من أهم الظواهر الاجتماعية والسياسية المعاصرة، التى لا تزال تجذب إليها الباحثين والمحللين فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك بهدف التوصل إلى فهم أدق حول الفرص والتحديات التى تفرضها فى عالمنا المعاصر. فبلا شك،أحدثت التطورات التكنولوجية الحديثة نقلة نوعية وثورة حقيقية في عالم الاتصال ، وأحدث الإعلام الاجتماعي تطوراً كبيراً ليس فقط في تاريخ الإعلام وإنما في حياة الأفراد والجماعات والمنظمات وتاريخ الدول على كافة الأصعدة ، فجعل أفراد المجتمع يعيشون في ظل عالم تقني ومجتمع افتراضي سيطر على أكثر اهتماماتهم ، وبرز دوره الفاعل في الظروف الطارئة والأحداث العالمية، ولعل أخرها تكاتف مستخدمي هذه الشبكات الاجتماعية لقيادة حملة تبرع كبيرة لضحايا ومنكوبي زلزال هايتي، حيث تم جمع ملايين الدولارات لضحايا هذه الكارثة من خلال هذه المواقع.فجاء الإعلام الاجتماعى ليشكل عالماً افتراضياً يفتح المجال على مصراعيه للأفراد والتجمعات والتنظيمات بمختلف أنواعها، لإبداء آرائهم ومواقفهم في القضايا والموضوعات التي تهمهم بحرية غير مسبوقة ، واستطاعت هذه المواقع أن تمد المواطنين بقنوات جديدة للمشاركة في الأنشطة السياسية، الأمر الذي جعل من السياسة شأناً عاماً يمارسه معظم أفراد الشعب دون أن يكون مقتصراً على فئات دون أخرى، وذلك لأن الإعلام الاجتماعى يشجع الأفراد غير الناشطين أو الفاعلين سياسياً على المشاركة في الفعاليات السياسية.لقد أصبح الإعلام الاجتماعى مصدرا قلق للنظم التي تنتهك حقوق الأفراد، فأضحى سلاحاً فى يد الناشطين والمتطلعين إلى غد أفضل ينعمون فيه بالحرية والكرامة والمساواة كمواطنين وشعوب ، و يمنحون أصواتهم ويفوضون وينتخبون حكوماتهم بحرية وبحوار وبمشاركة تامة، وبالتالى فهو يساعد في بناء أفراد يمتلكون مستويات عالية من الديموقراطية والمشاركة السياسية .لقد صعد نجم الإعلام الاجتماعى وأصبح محركاً وفاعلاً ومؤثراً في الثورات والمظاهرات والأحداث التي شهدتها المنطقة العربية ، فوجد فيه الشـباب العربي منفذاً للتعبير عن آمالهم وطموحاتهم ورغباتهم في التغيير، وأمتد دوره ليشمل الحوار المجتمعى حول القضايا التي أثارت الرأي العام، فتداول الأخبار والصور ذات التوجه السياسي عبر وسائل الإعلام الجديدة، أرغم بعض الحكومات على اتخاذ قرارات، أو التراجع عن قرارات، بسبب الاحتجاج الجماهيري الواسع، فدخلت الأقطار العربية مرحلة جديدة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وارتفعت الأصوات المطالبة بالتغيير في مناطق عدة من أرجاء الوطن العربي.إن ظهور نجم الإعلام الاجتماعى وتأثيره على المجتمعات البشرية لا يقل أهمية وتأثيراً عما شهدته من اختراعات عبر تاريخها والتى أثرت تأثيراً جذرياً على حياة الناس، من حيث سرعة ذلك التأثير وعمقه وانتشاره وإمكاناته الكامنة التى لم يظهر منها حتى الآن سوى قمة جبل الجليد ، فغير مفاهيم الاتصال والتواصل والتفاعل الاجتماعى، وطريقة تسويق المنتجات وبيعها، وطريقة تواصل الحكومات مع مواطنيها ، وطريقة أداء الشركات لأعمالها .ويأتى هذا الكتاب فى الوقت الذى لا تزال فيه ثورات الربيع العربى تعصف بعالمنا العربى المعاصر، الأمر الذى يتطلب منا القراءة فى العوامل التى ساعدت على امتداد هذه الثورات وانتشارها ، ومنها تأثير انتشار ظاهرة الإعلام الاجتماعى ، والتعرف على الفرص والتحديات التى فرضتها تلك الظاهرة فى مختلف المجالات، فقد تنامى استخدام الإعلام الاجتماعي وارتفعت شعبيته في المنطقة بأكملها منذ عام 2011، و لم تكن الحركات الشعبية التي اجتاحت المنطقة هى العامل الوحيد لهذه الثورات، بل هناك عوامل أخرى ومن بينها ظاهرة الإعلام الاجتماعى ، التى امتد تأثيرها لتتسلل إلى جميع جوانب الحياة اليومية لملايين من العرب ، فاتجهت حكومات المنطقة تدرك إمكانات ذلك النوع الجديد من الإعلام والفرص والتحديات الأمنية التى يفرضها ، فهو من ناحية يمثل فرصة لتطوير نماذج حكم أكثر شفافية ومشاركة وشمولاً لقطاعات مجتمعية واسعة ، وزياد التفاعل الاجتماعي والاندماج الوطنى ، لكنه يفرض تحديات أمنية أخرى ومنها التجسس الأمريكي والاسرائيلى على الدول العربية ، وهو ما سوف تعرضه الفصول القادمة بشىء من التفصيل.ووفقاً لذلك، فإن هذا الكتاب يسلط الضوء على التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والأمنية فى ظل المتغيرات الراهنة ، من خلال خمسة فصول رئيسية تتناول وتتاقش بالتحليل تأثير الأشكال الجديدة من التطورات التكنولوجية فى السلوك الاجتماعى والنشاط الاقتصادى والسياسي في سياق الدول العربية، وتسليط الضوء على عملية الترابط بين العمل الجماعي وتكنولوجيات الاتصال الجديدة ، ودراسة مختلف الرؤى النظرية والتحليلية التي يمكن أن تساعد فى دراسة تأثير الإعلام الاجتماعي في العالم العربى.ولا بد أن أعترف أن هذا الجهد المتواضع ما هو إلا نتاج تحليل مادة جمعتها من الكتب والدراسات والتقارير والبيانات والإحصاءات وأخبار الصحف العربية والأجنبية، وقد أجتهدت فى تحليلها جميعاً لاستخلاص استنتاجات حول طبيعة الظاهرة وأبعادها، حتى نستفيد من الفرص التى توفرها ونحذر من التحديات التى تفرضها علينا فى عالمنا العربى.وفى الختام، لا يسعنى سوى أن أتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى أساتذتى الكرام على ما وجوه لى من النصح والإرشاد ، وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور إبراهيم أحمد نصر الدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ، والأستاذ الدكتور مغاورى شلبى على الخبير الاقتصادى بمكتب السيد وزير التجارة والصناعة الذى شجعنى مراراً وتكراراً على المضى قدماً فى مجال البحث العلمى ، وعلى الفريق الفنى والمحترف فى دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع على إخراج هذا الكتاب بهذا الشكل اللائق ، وأخيراً أهدى هذا العمل إلى أبنائى الأعزاء يوسف ومريم .والله من وراء القصد .........وهو المنتهى ...دكتور: حمدى بشير محمد علي