تعد الوثائق البريطانية أحد أهم مصادر تاريخ منطقة الخليج بصفة خاصة، والعالم العربي بصفة عامة، بسبب طول المدة التي استعمر فيها الإنجليز مناطق كثيرة من الوطن العربي، فعلى سبيل المثال بقي الإنجليز في الإمارات 150 عاماً، وخلال هذه المدة الطويلة دون المسؤولين البريطانيين الكثير من الأحداث مثل الاتفاقيات والمعاهدات والحروب وكتبوا تقاري...
قراءة الكل
تعد الوثائق البريطانية أحد أهم مصادر تاريخ منطقة الخليج بصفة خاصة، والعالم العربي بصفة عامة، بسبب طول المدة التي استعمر فيها الإنجليز مناطق كثيرة من الوطن العربي، فعلى سبيل المثال بقي الإنجليز في الإمارات 150 عاماً، وخلال هذه المدة الطويلة دون المسؤولين البريطانيين الكثير من الأحداث مثل الاتفاقيات والمعاهدات والحروب وكتبوا تقارير عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وحوت تقاريرهم تفاصيل عن مباحثات السلطة البريطانية مع حكام المنطقة فيما يخص النقط وخطوط الطيران وترسيم الحدود وغيرها، وقبل استقلال الهند عام 1947، كانت الحكومة البريطانية تعتمد على بعض أبناء الإمارات الذين عينتهم كوكلاء محليين، وكان هؤلاء يكتبون تقارير دورية عن مجمل الأحداث ويقومون بإرسالها إلى الوكيل السياسي البريطاني في البحرين أو إلى المقيم السياسي البريطاني في مدينة بوشهر الإيرانية. وهذا بدوره يرسل صوراً منها إلى حكومة الهند البريطانية التي كانت مسؤولة عن منطقة الخليج أثناء الاستعمار البريطاني للهند، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، واستقلال الهند عام 1947، بدأت بريطانيا تولي المنطقة المزيد من الاهتمام وخاصة بعد الاكتشافات النفطية في البحرين والسعودية والكويت، وأصبح هناك ضابطاً بريطانياً ثم معتمداً سياسياً مقيماً في الإمارات، لذا نجد التقارير البريطانية منذ بداية الخمسينات أكثر دقة في سرد الأحداث، وأكثر اهتماماً في مجال الأمن، وتتضمن تسجيلاً أوثق للأحداث والتطورات التي استجدت في تلك الفترة، مثل بدء التعليم النظامي عام 1953، وتأسيس مستشفى المكتوم، وتأسيس قوة ساحل عمان وتشكيل مجلس الإمارات المتصالحة وغيرها من الأحداث، ونظراً لعدم وجود تأريخ محلي لتطورات الأحداث خلال تلك الفترة، فقد شكلت الوثائق البريطانية المادة الرئيسية وربما الوحيدة لكتابة تاريخ تلك المرحلة، ولكن يتوجب على الباحث أن يجمع مقتطفات من تلك التقارير المبعثرة والكثيرة من مصادر متعددة، وأن يتحلى بالصبر والمثابرة حتى يستطيع أن يكون من تلك الرسائل والتقارير مواضيع تاريخية متسلسلة الأحداث.ويحوي هذا الكتاب أحداثاً هامة جرى معظمها خلال فترة الخمسينات والستينات وأهمها ردود الفعل التي قام بها مواطنو دول الخليج بعد العدوان الثلاثي الذي قامت به كل من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956، بعد قيام جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وخصصت فصلاً أوضحت فيه ردود الفعل في كل من الإمارات والبحرين وقطر والكويت، وهناك حدثاً هاماً تم في بداية الخمسينات وهو بدء التعليم النظامي في الإمارات، وبالتحديد في الشارقة عام 1953، ويشتمل فصل التعليم على مقابلة مع مؤسس التعليم النظامي المدرس الفلسطيني مصطفى يوسف طه الذي بعثته الكويت مع مدرس آخر هو أحمد قاسم البوريني لوضع اللبنات الأولى للتعليم في الإمارات، كما أن هناك فصلاً عن موقف الإنجليز الرافض للتعليم النظامي، ويشتمل على موقف المسؤولين البريطانيين من تأسيس المدارس النظامية، وبعثات المدرسين العرب، ويعتبر هذا الفصل من أهم فصول الكتاب لأنه يشتمل على مجموعة من الأحداث المهمة التي صاحبت بدء التعليم خلال فترة الخمسينات، وحجم التغيير الذي أحدثه المدرسون العرب في مجتمع الإمارات، ويمكننا القول إن إن مجتمع الإمارات بدأ ينتقل من حالة التبعثر إلى الإنسجام والبروز من خلال بداية تكون الطبقات المتعلمة من أبنائه في تلك الفترة، هناك أيضاً فصل عن الأولئة التي اجتاحت الإمارات خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وبدء أول خدمات طبية حديثة من خلال مستشفى المكتوم عام 1951، كما هناك فصلاً يستعرض ما كتبه المدرس الفلسطيني أحمد قاسم البرويني في كتابه الذي صدر في الخمسينات من مشاهداته في الإمارات، وهذا الكتاب الذي لم يعاد طبعه يعد وثيقة مهمة لرواية شاهد عيان للأوضاع في الإمارات في بداية الخمسينات، وخصصت فصلاً لمذكرات الدبلوماسي الكويتي بدر الخالد البدر الذي كانت له بصمات واضحة في خدمة الإمارات، من خلال تأسيسه لمكتب دولة الكويت في دبي عام 1963 ومشاركته في بعثة الجامعة العربية التي قدمت للإمارات عام 1964 برئاسة الأمين عام عبد الخالق حسونة، إضافة إلى مشاركته في مباحثات الاتحاد التساعي التي بدأت عام 1968.