لقد نهض في العصر العباسي علماء كثيرون دونوا ملاحظاتهم عن الأقوام والشعوب وسجلوا خدماتها للإسلام إلا أن الجاحظ هو أول من انتهز الفرصة للكشف عن مكانة الأتراك في المجتمع الإسلامي ولذلك جعل الباحث "زكريا كتابجي" مؤلفات الجاحظ أساساً لبحثه هذا ثم مدد بصرها إلى الوراء ليدرس تاريخ الأدوار الماضية في ضوء الحقائق التي كشف الجاحظ القناع ع...
قراءة الكل
لقد نهض في العصر العباسي علماء كثيرون دونوا ملاحظاتهم عن الأقوام والشعوب وسجلوا خدماتها للإسلام إلا أن الجاحظ هو أول من انتهز الفرصة للكشف عن مكانة الأتراك في المجتمع الإسلامي ولذلك جعل الباحث "زكريا كتابجي" مؤلفات الجاحظ أساساً لبحثه هذا ثم مدد بصرها إلى الوراء ليدرس تاريخ الأدوار الماضية في ضوء الحقائق التي كشف الجاحظ القناع عنها وهكذا اتسع نطاق بحثه بحيث شمل "تاريخ الأتراك ومكانتهم في المجتمع العباس-خاصة في عاصمة الخلافة-من الناحية السياسية والاجتماعية منذ أن ظهروا في طور التاريخ إلى أواخر أيام المهتدي من الخلفاء العباسيين".وما اكتفى بمؤلفات الجاحظ وبعصره بل حاول التعريف بقدامى الأتراك وتوضيح بعض المسائل التي تسهل دراسة هذا الموضوع مثل الموطن الأصلي للشعب التركي وكلمة الترك وأصل الأتراك وقبائلهم. ثم تطرق إلى دخول الأتراك في طور التاريخ وبين بغاية الإيجاز دولهم في آسيا الوسطى من القرون الأولى إلى عصر الإسلام. وتكلم عن الصراع بين العرب والترك الذي وجه التاريخ وأثر في شؤون العالم السياسي كلها. وفي أثناء ذلك لمح بالعلاقات الأولى بين العرب والترك ووضح تصور الترك عند العرب وبسط الكلام في فتح ما وراء النهر بأيدى مجاهدي العرب وحلل سيرة ولاتهم فيما وراء النهر حتى انتهى إلى عصر العباسين.ثم فتح جزءاً جديداً وهو "الأتراك في الخلافة الإسلامية" وفي هذا الجزء بحث في الأتراك في البلدان الإسلامية من أوائل الإسلام إلى آخر الأمويين، إلى عهد المأمون من الخلفاء العباسيين. ومن المعلوم أنه لما مات المأمون ارتقى العرس أخوه المعتصم. وبالمعتصم بدأ دور جديد في تاريخ الإسلام. فإنه -لعدم ثقته بالعرب والفرس-استقدم الأتراك من المناطق الداخلية فيما وراء النهر إلى عاصمة ملكه.وهؤلاء الأتراك لعبوا دوراً هاماً في الدولة العباسية بعد أن تمكنت سلطتهم في الجيش والإدارة وخدموا خدمة كبيرة لا ينكر قدرها في إخماد الفتن والتنكيل بالثوار مثل بابك الخرمي وإعادة الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي والقضاء على البيزنطيين. كما وحاول أن يبين العوامل التي دفعت المعتصم والخلفاء الذين جاءوا بعده إلى الاستعانة بالأتراك وجلبهم إلى دار الخلافة وشرح مناهج تعليمهم وتربيتهم وعيشتهم في بغداد وسامرا إلى عهد المتوكل.وفي الجزء الثالث انتقل إلى الكلام عن الجاحظ الذي شهد المشاهد كلها وحاول تحليل حياته مع أسياده من الأتراك وبينا علاقاته بأبي يعقوب الخريمي وإبراهيم بن العباس الصولي خصوصاً بالفتح بن خاقان الذي قدم إليه عدة من كتبه. ووقف عند كتابه في مناقب الترك وشرح أسباب تأليفه واقتبس فضائل الأتراك منه ثم وجهه نظره إلى الروايات التي جاء بها الجاحظ متعلقة ببلاد التركستان وميز أيضاً رجال الأتراك الذين أثروا تأثيراً بالغاً في سير حياته.