إن علم الدلالة أو كما اتفق على تسميته علماء اللغة بـ"السيمانطيقا"،"ظل إلى وقتنا هذا يشبه حال الفتاة ساندريلا المغضوب عليها في اللسانيات باعتباره فرعاً موضوعه لم يتأت لكثير من جلة العلماء أن يقوموه وأن يصوغه بشكل دقيق". يكمن الهدف الأول من وضع هذا الكتاب في تحسين وضعية البحث عن نظرية دلالية لا زالت رغم تجدد الاهتمام بها، غير ناضج...
قراءة الكل
إن علم الدلالة أو كما اتفق على تسميته علماء اللغة بـ"السيمانطيقا"،"ظل إلى وقتنا هذا يشبه حال الفتاة ساندريلا المغضوب عليها في اللسانيات باعتباره فرعاً موضوعه لم يتأت لكثير من جلة العلماء أن يقوموه وأن يصوغه بشكل دقيق". يكمن الهدف الأول من وضع هذا الكتاب في تحسين وضعية البحث عن نظرية دلالية لا زالت رغم تجدد الاهتمام بها، غير ناضجة وغير متفق عليها.تبدأ الكاتبة المتخصصة دراستها ببعض المعطيات الأساسية وهي "أن جميع اللغات تتوقف في وجودها على الألفاظ والجمل التي تكون لها فائدة ومعنى"، لذلك فإن النظرية الدلالية "فيما يخص كل لغة على حدة ينبغي أن تكون قادرة على تعيين معنى أو معان، لكل لفظ وكل جملة، بحيث يقترن هذا المعنى بالجملة في تلك اللغة"، وتتعقد المسألة جداً في حال تعلق الأمر بالجملة أو الجمل، إذ "يتوقف معنى هذه الجمل على معنى الألفاظ التي تشتمل عليها". يصبح لزاماً على النظرية السيمانطيقية إذاً أن تقوم بعدة عمليات ضبط بين معنى اللفظ ودلالة الجملة، وأن تحدد الحد الذي تكون فيه هذه العلاقة متوقفة على ترتيب اللفظ أو على طرق التركيب النحوي للجملة وبنيتها، هذا بالإضافة إلى أن الجمل أو اللفاظ قد تكون مبهمة متعددة التأويل.فلكي تكون النظرية الدلاية كافية "ينبغي أن تستوفي على الأقل ثلاثة شروط: أولها أنه يجب أن تضبط بالنسبة لكل لغة طبيعية، معنى اللفظ ودلالة الجملة وأن تفسر ماهية العلافة بينهما. وثانيهما يجب أن تكون النظرية الدلالية قادرة على أن تتوقع وتتنبأ بضروب الإبهام واللبس في صيغ اللغة سواء في ألفاظها أو تراكيب جملها، وثالثها أن تصف وتفسر العلاقة المطردة بين الفاظ اللغة وجملها..".بعد التمهيد العام الذي يحدد أطر كل هذه المفاهيم في الدراسة، يقسّم الكتاب مادته في فصول متعددة، ليبحث في دلالة اللفظ، وفي علاقة هذه الدلالة بقيمة الصدق، وفي دلالة فعل الكلام مقابل دلالة شروط قيمة الصدق، ثم بعلاقة الدلالة بقضية الاستعمال في اللغة، وفي صورية بناء دلالة اللفظ، ودلالة الجملة، كما يبحث في موضوع الإبهام، وفي منطق اللغة الطبيعي، وفي علاقة علم الدلالة بالتركيب "الإسنادي"، وتختم الدراسة بوصف الحالة الراهنة لعلم الدلالة كفن صناعي، وتطرح رؤيتها في احتمالاته المستقبلية، المبنية على تضافر الجهود التي يجب أن تكون مثمرة بين علماء اللسان والمناطقة والفلاسفة للقيام بالبحث "الوافي المستفيض في كل من موضوع اللسانيات وموضوع المنطق وفلسفة اللغة" للتمكّن من تخمين الافتراضات ووضع الاقتراحات في كل مادة علمية من هذه العلوم.