اكتسب النزوع إلى التحليلات النصية أهمية خاصة في المشهد النقدي المعاصر، حيث تصاعدت درجة التوجه إلى النصوص، باعتبارها ميداناً اختبارياً لنظريات النقد على تعددها والرؤى المنهجية على اختلافها، والتي تتعدل وتتكيف وتتغير، خلال عملية التحليل النصي، فتغتني وتتنوع وتتطور، وتعطي النص-في الوقت نفسه-عوامل حياة وفاعلية، وتوثق صلته بالقارئ، و...
قراءة الكل
اكتسب النزوع إلى التحليلات النصية أهمية خاصة في المشهد النقدي المعاصر، حيث تصاعدت درجة التوجه إلى النصوص، باعتبارها ميداناً اختبارياً لنظريات النقد على تعددها والرؤى المنهجية على اختلافها، والتي تتعدل وتتكيف وتتغير، خلال عملية التحليل النصي، فتغتني وتتنوع وتتطور، وتعطي النص-في الوقت نفسه-عوامل حياة وفاعلية، وتوثق صلته بالقارئ، وتمنحه وجوداً متجدداً مع كل قراءة وتحليل، وذلك رداً على الاهتمام الذي أولاه النقد التقليدي التجزيئي أو أحادي البعد، الذي أنصب على ما حول النصوص من معلومات وأخبار، تتصل بحياة كتاب النصوص وبيئاتهم، ومختلف العوامل الخارجية المحيطة بالأعمال، مما استغرق جهود النقاد، وأبعدهم عن دائرة التشكيل الفني الداخلي للنصوص.وفقاً لهذا التصور تستهدف هذه الدراسة إنجاز تحليل نصي للقصيدة، عبر عرض مقترحات إجرائية أساسية تتسق مع تصوراتها النظرية، بوصف ذلك ميداناً للانتقال بالنقد التجريد النظري، إلى التطبيق والممارسة النصية. عبر تحليل مستويات القصيدة، وكشف عناصرها، وما يمكن أن يضيفه فعل القراءة النقدية إلى الملفوظ النصي، وهو هدف استراتيجي يحاول مجاوزة أحادية الاتجاهات النقدية التقليدية، حيث لا يتوقف عند حدود كشف جماليات النص (في المناهج النصية الخالصة)، أو مراميه وخططه الدلالية (في المناهج الاجتماعية والخارجية)، كما لا يتوقف جهد الدراسة على اقتراح الإجراءات فحسب، بل تحرص على رصد نقدي-من قبيل نقد النقد-لكثير من الجهود التحليلية المنهجية في نقدنا العربي المعاصر المتأثر بالمنهجيات النقدية الغربية كما استعرضت المحاولات التحليلية الباكرة في تراثنا النقدي، خاصة لدى الباقلاني وعبد القاهر الجرجاني، وكذلك تحليلات عصر النهضة والنصف الأول من هذا القرن. وقد تمثل الناقد العراقي حاتم الصكر، في توصيف أهداف هذه الدراسة مقولة تيرى إيجلتون حول ترويض النص، حيث إن ما يفعله الناقد/المروض تجاه النص/الأسد، يتطلب جهداً مشابهاً بعمل مروض الأسود، وإذا كان الأسد/النص أقوى من مروضه/محلله، فإن اكتمال لعبة الترويض/التحليل، يتطلب أن يظل الأسد/ النص جاهلاً بأمر تفوقه على مروضه/ محلله، وإلا فسد كل شيء.