نبذة النيل والفرات:مصنف هذا الديوان الشيخ جواد ابن الشيخ محمد بن شبيب بن إبراهيم بن صقر البطائحي الشهير بالشبيبي الكبير، عالم جليل، وأديب فذ، وشاعر خالد، ومفخرة النجف الباقية. ولد ببغداد في شهر شعبان من عام 1284هـ وتوفي أبوه في تلك المدينة وعمره أسبوع، وكان والده صدراً فيها مقدماً عند رجالها، ففارقتها والدته بعد أشهر إلى النجف، ...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:مصنف هذا الديوان الشيخ جواد ابن الشيخ محمد بن شبيب بن إبراهيم بن صقر البطائحي الشهير بالشبيبي الكبير، عالم جليل، وأديب فذ، وشاعر خالد، ومفخرة النجف الباقية. ولد ببغداد في شهر شعبان من عام 1284هـ وتوفي أبوه في تلك المدينة وعمره أسبوع، وكان والده صدراً فيها مقدماً عند رجالها، ففارقتها والدته بعد أشهر إلى النجف، وفيها إذ ذاك طائفة من أهله وإخوته لأبيه مقيمون للتحصيل أو مجاورون، وأقامت قليلاً إلى أن أنفذ أبوها الشيخ صادق أطيمش من حملها إليه، وكان هذا الشيخ فقيهاً كبيراً له في الشعر طبع يرجع إلى رياسة وإمامة وثروة وضياع واسعة وهو من أعيان أصحاب الشيخ علي ابن الشيخ جعفر فنشأ المترجم في كنف جده لأمه هذا بين الشطرتين القديمة والحديثة التي تأسست على عهدهم عام 1286هـ، وهم أول من نتقل إليها وتعلم ثمة القراءة والكتابة وجودة الخط حتى اشتهر فيه، وكان جده يلقنه ويخصه بكبير عنايته، وقد فتح على طبعه بالشعر صبياً فزاد إعجابه به وأحبه حباً شديداً وصار يغريه بالشعر والأدب، ويجيزه ويثيبه على ما يتفق له في هذا الشأن.وقد كان على جودة شعره ورصانته وإبداعه مكثراً مجيداً قل من رأيت من مشايخ الأدب المعاصرين من أكثر فأجاد غيره، وقد بلغ ما نظمه أكثر من أربعين ألف بيت لم نعثر منها إلا على عشرة آلاف بسعي السيد محمود الحبوبي وفي بعض المجاميع، فهو في الوقت الذي كان يجلس إلى جتب العلامة السعيد في القرن التاسع عشر عاش فاستقبل أم كلثوم المغنية الشهيرة التي زارت العراق للمرة الأولى في القرن العشرين بقصيدة أعرب فيها عن آلام قومه وصور فيها جشع المستعمر وقسوته، وطلب من الصداحة التي جاءت لتلطف جو العراقيين، الجو الذي غمره الجور والظلام بأناشيدها وسحر غنائها الخالد، طلب منها أ، تعدل عن هذا الغناء وتقتدي بالورقاء فتتعلم منها الغناء الذي يصور للقوم ضياع مجدهم بوجود الدخيل الذي غزاهم في عقر دارهم. ويعرب لها عن شعوره وعقيدته بالخونة وباعة الصمير والمفرقين للصفوف والذين نافقوا المستعمر والوطن في آن واحد، مذكراً لها بأنها من أبناء أولئك الصيد الأشاوس الذين تركوا ديارهم للأجنبي والتحفوا السماء وقدموا خيرات بلادهم له مقتنعين بدلاً عنها بحشائش الأرض، مصعدين بنفثاتهم وآهاتهم المحرقة، وتراه وقد بلغ الثمانين استنكر على المستعمر أساليبه ومراوغاته بالوعةج التي منى بها العرب فأضاعهم بسببها مجدهم التالد بلهجة حفت بالتركيز والتفكير، ومنبهاً العامل والفلاح على حقه وضياعه وتقويمه للقصور الشاهقة وحرثه للأرض الصلدة لتشاد من حنايا أضلاعه الواهية، ويتبسط بالتأنيب فيخاطب المستعمرين الذين شبههم بالمناقير تلك التي كانت أعظم بلاءً من خطر الأجنبي وقد انغمسوا في لذاتهم كأن الله لم يخلق سواهم وكأن الذين من حولهم عبيد وخدم خلقوا لأن يعبدوهم ويرزقوهم في آن واحد.وهو في كل ما نظم في العهد الوطني شعلة وهاجة وحمم يصب على رؤوس الذين طأطأت لهم رؤوس الضعفاء بأسلوب جمع بين الصرامة والرقة، والعاطفة والمنطق، والسياسة والحكمة، يمتلك الإحساس ويهيمن على أقوى المشاعر وفي شعره تقرأ تأريخاً سياسياً خطيراً قد لا يقوى على تدوينه أحد غير الجواهري تلميذه، كأنه يفرغ عن قلب كل مواطن تحسس الإرهاق والتعسف، ويهمس في أذن كل طاغية عنود يعلمه سوء العاقبة ومغبة المصير. هذا هو الشبيبي الكبير الذي كان مدرسة أدبية كبرى تخرج منها معظم أعلام الشعراء في الوقت الحاضر من أبناء النجف.