سيدنا آدم هو أبو البشر وأول إنسان تطأ قدمه الأرض، و قد ورد في القرآن الكريم ستةُ نصوص مطولة حول قصة خلقه وما رافقها من أحداث أبرزها استنكاف إبليس عن الأمر الإلهي بالسجود لآدم. أول هذه النصوص في المصحف ما ورد في سورة البقرة:﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن...
قراءة الكل
سيدنا آدم هو أبو البشر وأول إنسان تطأ قدمه الأرض، و قد ورد في القرآن الكريم ستةُ نصوص مطولة حول قصة خلقه وما رافقها من أحداث أبرزها استنكاف إبليس عن الأمر الإلهي بالسجود لآدم. أول هذه النصوص في المصحف ما ورد في سورة البقرة:﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾[البقرة: 30 - 37][1] وكلمة آدم مشتقة من أديم الأرض وهو وجهها، فسمي بما خلق منه. وقيل: من الأُدمة وهي السمرة. أخبر الله تعالى ملائكته بأنه سيكون من مخلوقاته إنسان اسمه آدم، و سوف تكون له ذريةٌ يخلف بعضهم بعضا. فقالت الملائكة على سبيل الاستفسار والاستعلام لا على وجه الاعتراض: أتجعل فيها من يفسد فيها إلخ.. أي أتجعل في هذه الأرض مَن شأنُه أن يفسد ويخرب ويقتل، على حين أننا نعبدك وننزهك، فما الحكمة في خلق هذا المخلوق؟ لكن ما الذي جعل الملائكة تعتقد بأن المخلوق الجديد ستكون صفته الشرَّ و الإفساد في الأرض وليس الخير والإصلاح؟ذكر عبدُ الله بن عمر وابن عباس بأنه كان هناك جن قبل آدم فعاثوا في الأرض فساداً وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فقتلتهم وألحقتهم بالبحار ورؤوس الجبال[2]. ويجيب بعض المفسرين المعاصرين بأن هناك كلاماً مطوياً بين ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ وبين ﴿ قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ﴾ يمكن التعبير عنه بما يلي: فسأل الملائكة ربهم: ما صفة هذا المخلوق الذي قضيت ربنا أن تخلقه وما خصائصه؟ فأبان الله جل جلاله وعظم سلطانه لهم صفاته، ومنها أن يكون ذا إرادة حرة وقدرات لاكتساب المعارف والعلوم، وذا صفات نفسية فيها أهواء ورغبات وشهوات ونوازع لتحقيق الأهواء والشهوات، ولو بارتكاب المعاصي والآثام وفعل الشر. وهذه الصفات ينتج عنها الإفساد في الأرض وسفك الدماء ظلماً وعدوانا[3]. ويعضد هذا الكلام المطويَّ ما رواه الطبري من أن الله حين قال للملائكة ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ قالوا: ربنا، وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضاً. وكان جواب الله للملائكة ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ إني أعلم من الحكمة والمصلحة قي خلق هؤلاء ما لا علم لكم به [4]. مراحل خلق آدممن الواضح المعروف أن آدم خلق من الطين أي ماء و تراب. روى أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « إن الله خلق آدم من قبضةٍ قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدْر الأرض منهم الأحمرُ والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحَزن، والخبيث والطيب»[5]. وجاء في سفر التكوين من العهد القديم: وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة الحياة فصار آدم نفساً حية. ( الإصحاح الثاني:7). وقد مرّ خلق آدم بعدة مراحل وَفق الترتيب الآتي الذي ذكره الشيخ عبد الرحمن حبنكة في تفسيره معارج التفكر:أولاً: مرحلة الطين كما ذُكر آنفاً. ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص:71، 72] إني سأخلق بشراً من عناصر تراب الأرض ممزوجة بماء، فإذا أتممت تقويمه وتعديل خلقه ونفخت فيه من روحي فخروا له ساجدين. ثانياً: مرّت مدّة على طينة هذا المخلوق الجديد تحوّلت فيها بخلق الله فصارت حمَأً مسنوناَ، ثم جفّت فصارت صلصالاً[6]. وفي هذا الطور الذي صارت فيه طينة هذا المخلوق صلصالاً من حمأ مسنون، قال الله جل جلاله في سورة الحجر: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ * وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 26 - 31] تشير هذه الآيات التي نزلت بعد الآيات التي في سورة ص إلى أن الله تعالى أكد للملائكة حين صارت طينة المخلوق الجديد صلصالاً من حمأ مسنون بأنه خالق بشراً منه، و أكد لهم أيضاً أمْرَه بالسجود له إذا سواه و نفخ فيه من روحه. ثالثاً: ثم مرت فترة جعل الله عز و جل فيها الصلصال المعدّ ليكون جسد آدم ذا صورة، وهي الصورة التامة لآدم قبل نفخ الروح فيه. روى مسلم عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لما صوّر الله آدمَ في الجنة تركه ما شاء اللهُ أن يتركه، فجعل إبليسُ يُطيف به وينظر إليه فلما رآه أجوفَ عرف أنه خلقٌ لا يتمالك»[7]. وفي يوم الجمعة خلق آدم كما ورد في الحديث« خلق الله آدمَ يوم الجمعة»[8].و كان طول آدم ستين ذراعاً «خلق الله آدم و طوله ستون ذراعاً، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن»[9]. دل على هذه المرحلة وهي جعل آدم ذا صورة قول الله تعالى:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ﴾ [الأعراف: 11] أي و لقد أعطينا أجزاء جسد آدم مقاديرها بإتقان و إحكام، ولما كان آدم هو الإنسانَ الأول الذي جمع الخالق الرب فيه كلَّ السلالة البشرية بدءا بحواء زوجِه ثم ما بثّ منهما من ذرّيات وما يبث إلى أن تقوم الساعة خاطب الله عز وجل الناس في هذا النص بقوله لهم: ولقد خلقناكم. رابعاً: ثم نفخ الله عز وجل في جسد آدم الذي اكتمل خلقه و تصويره من روحه، أي نفخ فيه من جنس الروح الذي هو خلقٌ عظيم من خلقه، فهو ملكه عز وجل وبه تكون المادة حية بحسب الخصائص النفسية التي فطرها عليها: ﴿ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ﴾ [السجدة: 9].[10]. تعليم آدم الأسماء:﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 31]. بعد أن تم خلق آدم عليه السلام وأصبحت لديه القابلية للتعلم والتلقي علمه الله تعالى أسماء الأشياء. قال ابن عباس: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس مثل إنسان و دابة وسهل وجبل وجمل إلخ.. وقال مجاهد: علمه اسمَ كل دابة وكل طير و كل شيء[11]. وجاء في سفر التكوين: وجبل الربُّ الإله من الأرض كلَّ حيوانات البرية وكل طيور السماء فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها وكلُّ ما دعا به آدم ذا نفس حية فهو اسمها، فدعا آدمُ بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية. (الإصحاح الثاني:20-21). ويُفهم من كلمة ﴿ هؤلاء ﴾ أن الله علّمه أسماء ما عَرض عليه مما يراه ببصره. أمر الملائكة بالسجود لآدم:بعد أن سوى الله تعالى آدم و نفخ فيه من روحه أمر ملائكته بالسجود له سجود تكريم لا عبادة﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 71، 72]. فاستجاب الملائكة فوراً للأمر الإلهي ﴿ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ﴾ [ص: 73، 74]. سأل الله إبليس - وهو به أعلم - عن السبب الذي حمله على ذلك. فكان الجواب بأنه أفضلُ من آدم، فهو مخلوق من نار وآدم مخلوق من الطين، والنار في رأيه أرقى من الطين. فليس من العدل أن يسجد الفاضلُ للمفضول. ﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [ص: 75، 76]. لكنَّ السبب في الحقيقة هو الكبرُ والحسد اللذان استوليا على قلب إبليس وعقله فحملاه على العصيان و التمرد على كل شيء حتى على الخالق سبحانه وتعالى. فكان الجزاء على استنكاف إبليس عن السجود و ترفعه على خلق آدم هو الحكمَ عليه بالطرد و الإبعاد من الملأ الأعلى مع صبّ اللعنة عليه. ﴿ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الحجر: 34، 35]. وفي سورة الأعراف ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ [الأعراف: 13]. وكان جواب إبليس ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الحجر: 36]. قال إبليس مقراً لله عز و جل بربوبيته: بما أنك حكمت عليَّ الرجم والإخراج واللعنة إلى يوم الدين فأمهلني حياً إلى يوم الدين. فاستجاب الله لطلبه و وعده بأن يمهله إلى يوم القيامة ﴿ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴾ [الحجر: 37، 38]. ويعلن إبليس بصراحة ووضوح بأنه لن يدّخر وُسعاً في إغواء وإفساد بني آدم بكلّ ما أوتي من وسائل ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾[ص: 82، 83]. أي أقسم بقوتك الغالبة التي تمدني بها ما أبقيتني حياً لأجعلنهم بوساوسي وتسويلاتي وحبائلي غاوين أجمعين. ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ﴾ [الإسراء: 62]. أي: لأضعن اللُجُم في أحناك ذرية أدم كما توضع في أحناك الدواب لتطويعها وقيادتها وسوقها إلى حيث يريد مطوِّعها. وفي أية أخرى يبين إبليسُ عن خطته المرسومة للإغواء: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16، 17]. أي بسبب حكمك عليَّ بالغَواية والضلال والبعد عن الهدى فإني أقسم لأقعدنَّ لإضلالهم ملازماً الصراطَ المستقيم الذي ستبينه لهم، فأصرفهم عنه بكل الوسائل. فأجابه الله عز و جل ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الحجر: 42]. هل إبليسُ من الملائكة؟الراجح عند أهل العلم أنه ليس من الملائكة لما يلي:1- الآية الكريمة في سورة الكهف ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ [الكهف: 50]. فهي صريحة في أن إبليس ليس من الملائكة. 2- لو كان إبليس من الملائكة لما عصى أمرَ الله لأن الملائكة لا يعصون الله أبداً ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]. 3- إبليس مخلوق من نار و الملائكة من نور. يقول عن نفسه ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]. و في الحديث الصحيح: «خُلقت الملائكةُ من نور، و خلق الجانُّ من مارج من نار و خلق آدم مما وُصف لكم»[12]. 4- الملائكة لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة، و ليس لديهم ذرية ولا نسل، خلقهم الله ابتداء من غير طريق التناسل والتناكح. أما إبليس فقد أخبر الله تعالى بأن له ذريةً ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي ﴾ [الكهف: 50] [13]. حواء:بعد مضي مدة على خلق آدم خلق الله حواء منه ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ [النساء: 1] والجزء الذي خلقت حواء منه هو الضلع جاء في الحديث: «إن المرأة خلقت من ضِلَع... » [14]. وفي سفر التكوين: فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً، وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة و أحضرها إلى آدم، فقال آدم: هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي، هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ أخذت. (الإصحاح الثاني: 21-23). ولا يعرف ما إذا كان خلقها قبل دخول الجنة أم بعده. وسميت حواء بذلك لأنها أم كل حيٍّ. آدم و حواء في الجنة:اختلف العلماء في مكان الجنة التي سكن فيها آدم و زوجته: فذهب الجمهور إلى أنها هي جنة المأوى التي وُعد بها المؤمنون، لظاهر الآيات والأحاديث، منها ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾ [البقرة: 35] فالألف واللام في الجنة ليست للعموم ولا لمعهود لفظي، وإنما ترجع إلى ما عُهد في الذهن واستقر من أنها جنة المأوى. ومنها الحديث الصحيح:« يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزدلف لهم الجنةُ فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتحْ لنا الجنة، فيقول و هل أخرجكم من الجنة إلا خطيئةُ أبيكم».وذهب المعتزلة وبعض الماتريدية إلى أنها ليست جنةَ الخلد، بل هي جنة أخرى لأن آدم كُلِّف فيها ألا يأكل من الشجرة فأكل فأخرج منها، ودخل عليه إبليس فيها، ومثل ذلك لا يحدث في جنة المأوى[15]. والذين قالوا بالرأي الثاني اختلفوا في مكان الجنة على قولين: أحدهما أنها في السماء، و الثاني أنها في الأرض. وورد في التوراة ما يفيد أنها في منطقة قريبة من العراق، ففي سفر التكوين: وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً ووضع هناك آدم الذي جبله. (الإصحاح الثاني:8). و ثمة عدة روايات عن مكان هبوط آدم وحواء: فعن ابن عباس أنه قال: أهبط آدم بالهند وحواء بجدة فجاء في طلبها حتى اجتمعا فازدلفت إليه حواء فلذلك سميت مزدلفة، وتعارفا بعرفات فلذلك سميت عرفات. وذُكر أيضاً أن الجبل الذي أهبط عليه آدم ذروته أقرب من ذرا جبال الأرض إلى السماء. و قيل غير ذلك[16] والله تعالى أعلم بالصواب. وسواء أكانت الجنة هي جنةَ الخلد أم غيرها، في السماء أم في الأرض فالذي يعنينا أن إدخالهما فيها كان اختبارا ًوامتحانا لآدم وزوجته و ليس إدخالَ خلود وجزاء. وقٌد أوصى الله آدم و زوجه قبل إدخالهما الجنة أن يحذرا إبليس ووساوسه ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾ [طه: 116، 117]. "الشقاء يطلق على كل ما لا يسرُّ الإنسانَ من الأمور وعلى ما يخالف مطلوبه ورغبته من أدنى المكاره إلى أشدّ المؤلمات. والمراد بالشقاء في الحياة الدنيا على ظهر الأرض ما فيها من متاعب الكد والكدح في العمل لاكتساب الرزق، وما فيها من متاعب الأوجاع والأسقام وتحمل مكاره القلق والهم و الخوف والهم والحزن و نحو ذلك. ولما كان الرجل هو المسؤولَ الأول عن كسب رزقه و رزق أسرته على ظهر الأرض قال الله عز وجل لآدم ﴿فتشقى﴾ و م يقل فتشقيا، أي فستضطر لأن تكون الأكثر تحمّلاً لعناء الكد والكدح في العمل لاكتساب رزقك ورزق أسرتك[17]. وبعد أن سكن آدم وحواء الجنة أباح الله لهما جميع أشجارها وثمارها إلا شجرةً واحدة نهاهما الله عنها ﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 19] و يسكت القرآن الكريم و السنة النبوية عن نوع الشجرة أو اسمها، وجاء في سفر التكوين، الإصحاح 2: أنها شجرة معرفة الخير والشر. مكايد إبليس لآدم وحواء في الجنة:بدأ إبليس بإعداد العدة للانتقام من آدم الذي كان سبباً في طرده من الجنة عن طريق إقناعه وزوجته بالأكل من الشجرة. تدبر معي أيها القارئ الكريم هذه الآية ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ﴾ [طه: 120] يستدرج إبليسُ الذي صار اسمه الآن الشيطان أي: المبعَد عن الحق و المبعِد عباد الله عن الصراط المستقيم و المطرود من الرحمة الإلهية، أقول: يستدرج آدمَ بأسلوب مشوق عن طريق العرض الاستفهامي ﴿ هَلْ أَدُلُّكَ ﴾ هل ترغب في أن أدلك على شجرة الخلد والبقاء السرمدي أو أن تحظى بملك لا يفنى ولا ينفد. ولاحظ معي كيف لبس الشيطان لآدم لَبوسَ النصحِ و الخير والمحبة، ولذلك فهو يريد أن يدله على شجرة تسمى شجرة الخلد، وكأنها تُعرف في الجنة و الملأ الأعلى بهذا الاسم. وبهذا الأسلوب استثار إبليس آدم وشوّقه لمعرفة هذه الشجرة ومكانها ليأكل منها فيحظى بالبقاء الأبدي. "ومعلوم أن النفس الإنسانية متى تعلقت بمجهول فيه مطلب عظيم من مطالب النفس أخذت تغلي مراجلُها للتعرف عليه والوصول إليه، واستعماله لتحقيق مطلوبها العظيم. وهذا هو أسلوب التشويق للربط و الإزلاق"[18]. وتبين لآدم بعد رؤيته شجرة الخلد -كما سماها الشيطان - أنها هي ذاتها الشجرة التي نهاه الله عنها وحذره من أكلها. ولا ريب أنه حصل نقاشٌ بينه وبين الشيطان بيّن فيه آدمُ أن الله قد حرم عليه و على زوجته الأكلَ منها. و إذا قاما بهذا الفعل أصبحا من الظالمين و تعرضا للإخراج من الجنة.لكن إبليس يتابع وسوسته لآدم ويقحم حواء في النقاش عسى أن يتخذها مطية لتحقيق نواياه الخبيثة. قال الله تعالى ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 20، 21]. يحاول الشيطان في هذه المرحلة من النقاش أن يقنع آدم وزوجته بأن الله ما حرم عليهما الأكل من الشجرة إلا لأنه لا يريد لهما أن يكونا ملَكين نورانيَّين أو من الخالدين. وأي عاقل يرفض أن يكون إما بهذه الصفة أو تلك!. لكن السبيل إلى ذلك لا يكون إلا بالأكل من هذه الشجرة.ويبدو أن آدم كان حذراً من الشيطان خائفاً من التردي في المعصية فطلب من الشيطان أن يقسم بالله على صدق ادعائه، فسارع إبليس بالحلف بالأيمان المغلظة على أنه من الناصحين لهما ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 21] ويتابع إبليسُ خطته الشيطانية لتحقيق أمنيته في رؤية آدم مطروداً مهينا كما حصل معه، و يبدأ بالخطوة الثالثة وهي ما أشارت إليه الآية ﴿ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ﴾ [الأعراف: 22]. "يقال لغة: دلّى الدلو وأدلاه، إذا أرسله في البئر بشطَنه أي: بحبله. ويقال:دلى الشيء في المَهواة أي أرسله فيها. أي: فربطهما بشطن من أشطانه الإغرائية الكاذبة ودلّاهما في بئر المعصية، كما يدلى الدلو في بئر ما شيئا فشيئا مغررا بهما، خداعا و تلبيسا وإطماعا بالباطل.وربما قال لهما: لا تأكلا من الشجرة ولكن ذوقا طعمها بألسنتكما.هذه التدلية هي الوسيلة الشيطانية المتبعة عند جميع شياطين الإنس و الجن من بعد إبليس، وهي المعبر عنها بأسلوب: خطوة فخطوة، فحيلة الإغواء الكبرى هي حيلة التدلية بالخطوات المتتاليات"[19] و في لحظة ضعفٍ بشري تجلّى بوضوح في تلك الآونة مع رغبةٍ عارمة في الملك أو الخلود، بالإضافة إلى تزيين حواء له[20] واليمين المغلظة التي حلفها إبليس، أقول: في خضمِّ هذه الأمور مجتمعةً نسي آدم للحظاتٍ الأمرَ الإلهي وأكل من الشجرة، فتم للشيطان ما أراد واتسق له ما أمّل. ﴿ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ [الأعراف: 22]. وفي سورة طه ﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ [طه: 121]. السَّوءة: العورة.شرع آدم وزوجته في ستر ما ظهر من سوءاتهما بسبب أكلهما من الشجرة، فألصقا عليهما من ورق الجنة. والشيطان اللعين كان يعلم مسبقا أن الأكل من الشجرة سيؤدي إلى كشف العورة﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا ﴾ [الأعراف: 20].﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [الأعراف: 22]. فما كان جوابهما إلا الإقرار بالذنب وطلب المغفرة والرحمة ﴿ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].وجاء الأمر الإلهي لهما بالهبوط إلى الأرض ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة: 36].وتضرع آدمُ إلى ربه الغفور الرحيم أن يغفر له ويتوب عليه فأوحى الله إليه بكلمات يقولهن ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37]. وفي آية أخرى ﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴾ [طه: 122].ومما ينبغي التأكيد عليه هنا أن آدم أكل من الشجرة ناسياً الأمر الإلهي وليس متعمداً، فهو لم يكن في حالة يستوعب فيها أمر الله و نهيه، بدليل قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾ [طه: 115] قال ابن عباس: (نسي) هنا من السهو والنسيان، أي الكلمة بمعناها الحقيقي وليست مؤولة بالترك مجازاً. وقال الحسن البصري: والله ما عصى آدمُ قط إلا بالنسيان. ولذا فآدم لم يكن مؤاخذاً فيما صدر منه. هل كان آدم نبياً ورسولاً؟آدم هو أول نبي باتفاق العلماء، واختلف في رسالته فغالب العلماء على أنه نبي و رسول، لأن الله خاطبه دون واسطة و أمره و نهاه وأحل له و حرم عليه. و ذهب آخرون إلى نفي رسالته لما ورد في حديث الشفاعة: «أن الناس يذهبون إلى نوح و يقولون: أنت أول رسل الله إلى الأرض»[21].ابنا آدم: قابيل و هابيل:كانت حواء تحمل في كل بطن توأمين: ذكرا وأنثى، وقد شرع الله لآدم أن يزوج كل ذكر من بطن من الأنثى من بطن آخر، ولا يزوج الذكر بالأنثى من بطن واحدة. فأراد هابيل أن يتزوج بأخت قابيل وكانت أخت قابيل أحسن، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه.، أمره آدم أن يزوجه إياها فأبى قائلاً: أنا أحق بأختي، فأمرهما آدم أن يقرِّبا قربانا فمن تقبل قربانُه أخذ تلك الأخت. فقرّب هابيلُ جذَعة سمينة - وكان صاحب غنم- فقدم أجودَ ما عنده، و قدم قابيل حُزمة من زرع رديء - وكان صاحبَ زرع - فقدم أسوأ ما عنده، فنزلت نارٌ أكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب قابيل وهدد أخاه بالقتل، فقال هابيل: إنما يتقبل الله من المتقين. وفي نهاية المطاف سوّلت له نفسه قتلَ أخيه و أصبح بذلك من الخاسرين. قال تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 27، 28][22]. وورد في الحديث: « لا تقتَل نفسٌ ظلماً إلا كان على ابن آدم الأولِّ كفلٌ من دمها لأنه أولُ من سنّ القتل» [23]. حديث هام:ثمة حديث طويل إسناده قوي ينطوي على عدة فوائد حول سيدنا آدم، رأيت من المناسب أن أذكره على حدة. أخرج ابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لمّا خلق اللهُ آدم و نفخ فيه الروحَ عطس، فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذن الله، فقال له ربه: يرحمك ربك يا آدم، اذهب إلى أولئك الملائكة - إلى ملأ منهم جلوس- فسلمْ عليهم، فقال: السلام عليكم، فقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربه، فقال: هذه تحيتُك و تحية بنيك بينهم، وقال الله جل وعلا - ويداه مقبوضتان -:اخترْ أيهما شئتَ. فقال: اخترتُ يمين ربي و كلتا يدي ربي يمينٌ مباركة، ثم بسطهما فإذا فيهما آدم وذرّيته، فقال: أي ربّ، ما هؤلاء؟ فقال: هؤلاء ذريتك، فإذا كل إنسان منهم مكتوب عمره بين عينيه، فإذا فيهم رجل أضوءهم - أو من أضوئهم لم يكتب له إلا أربعين عاماً. قال: يا رب، ما هذا؟ قال: هذا ابنك داود، وقد كتب الله عمره أربعين سنة، قال: أي ربّ، زده في عمره، قال: ذلك الذي كتبتُ له، قال: فإني قد جعلتُ له من عمري ستين سنة، قال: أنت وذاك. اسكن الجنة، فسكنَ الجنة ما شاء الله، ثم أُهبِط منها وكان آدم يعدُّ لنفسه، فأتاه ملك الموت، فقال له آدم: قد عجلتَ و قد كُتبَ لي ألفُ سنة، قال: بلى ولكنك جعلتَ لابنك داود منها ستين سنة، فجحدَ فجحدت ذريتُه، ونسي فنسيت ذريته، فيومئذٍ أُمِر بالكتاب و الشهود»[24]. وفاة آدم:عاش آدم- كما مر بنا آنفاً في الحديث السابق- ألف عام إلا ستبن عاماً كان وهبها لابنه داود. وأما عن قبره فقيل: دفن بالهند، وقيل: دفن بمكة في غار أبي قبيس، وقيل غير ذلك. ولم أقف على خبر صحيح بهذا الخصوص. النقاط التي تختلف فيها قصة خلق آدم في القرآن عما ورد في التوراة:1- جاء في التوراة: ثم قال الله نعمل الإنسان على صورتنا، كشبهنا (سفر التكوين1: 25)وهذا تصريح بأن آدم يشبه الله في خلقته وصورته. 2- لم يرد ذكر عن قول الملائكة ﴿ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة: 30]. ولا عن سجود الملائكة لآدم. 3- لم يرد شيء عن تعليم الله آدم الأسماء كلها وتفضيله على الملائكة بالعلم والقدرة على التعلم وفتح باب المعرفة له، بل ورد في التوراة أن الله يرتعب خوفاً و فرقاً عندما يعلم بطريق المصادفة أن آدم قد أكل من شجرة المعرفة. 4- لم يرد في التوراة ذكر لإبليس و تكبره وإبائه السجود لآدم وعداوته وإغوائه له و لزوجته. 5- تزعم التوراة أن الحية هي التي أغوت حواء لتأكل من شجرة المعرفة، وحواء أغرت آدم بالأكل من الشجرة. و لهذا لعن الله حسب زعمهم الحية و حواء وآدم والأرض. 6-ليس هناك إشارة إلى أن آدم نبي أو رسول[25]. وثمة اختلافات أخرى تتفرع عن هذه النقاط الرئيسة. العبر و العظات من قصة آدم:♦ إنّ الله كرّم بني آدم وشرفهم بأمور عدة، فقد خلق أباهم بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء الأشياء وجعله خليفة في الأرض وهذا طبعاً تكريم لذريته أيضاً.♦ يجب على الإنسان أن يكون على ذُكر من أنه خلق من التراب وإليه سيكون مرجعه، فليس له أن يتكبر أو يتجبر أو يدعي الأفضلية على أبناء جنسه: « يا أيها الناسُ ألا إن ربّكم واحدٌ وإن أباكم واحد، ألا لا فضلَ لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأحمرَ على أسود ولا أسودَ على أحمر إلا بالتقوى »[26].♦ إن على الإنسان أن يحذر من مكايد الشيطان ووساوسه و يتخذه عدوا له، فقد كان هو السببَ في إخراج أبويه من الجنة ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ﴾ [الأعراف: 27]♦ إن الإنسان مجبول على الخطأ و النسيان وهو مخلوق ضعيف، وأذكر القارئ بالحديث الذي سبق ذكره «لما صور الله آدمَ في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به وينظر إليه فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك» وهذا الضعف البشري الذي نتج عنه النسيان هو الذي قاد آدم إلى الاستجابة لإغواء إبليس فأكل من الشجرة.♦ لا يجوز للإنسان إذا وقع في الخطيئة أن يقنط من رحمة الله تعالى ولا ييأس من مغفرته ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]. المصادر و المراجع:♦ أطلس تاريخ الأنبياء والرسل. سامي بن عبد الله المغلوث، مكتبة العبيكان- الرياض 2001م♦ الإنسان مسير أم مخير، محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر-دمشق ط2 1998م.♦ دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه، لابن الجوزي، تحقيق حسن السقاف، دار الإمام النووي - الأردن 1991.♦ صحيح ابن حبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة - دمشق 1993م.♦ صحيح البخاري، دار ابن كثير - دمشق، اليمامة-بيروت 1987م.♦ صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث - القاهرة 1991م.♦ فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، دار الريان للتراث - مصر 1987م.♦ قصص الأنبياء. ابن كثير، دار صادر - بيروت 2003م.♦ الله و الأنبياء في التوراة و العهد القديم، محمد علي البار. دار القلم - دمشق، الدار الشامية - بيروت 1990م.♦ مسند أحمد بن حنبل، تحقيق فئة من الباحثين، مؤسسة الرسالة - دمشق 1993-2001م.♦ معارج التفكر ودقائق التدبر. عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، دار القلم- دمشق 2000م♦ النبوة و الأنبياء. محمد علي الصابوني، دار العرفان - سورية 2005.