تعدّ ظاهرة العنف، ظاهرة عالمية، لا يكاد يخلو أي مجتمع معاصر منها، ويكمن الفارق بين المجتمعات في هذا المجال في درجة ممارسة العنف، وفي نسبية أسباب الظاهرة. وكثيراً ما يترافق إرتفاع معدلات العنف داخل المجتمعات مع التحولات الكبرى والحادة التي تشهدها، وبمدى مخالفة هذه التحولات للنظم التقليدية السائدة في تلك المجتمعات. وفي الوقت الذي ...
قراءة الكل
تعدّ ظاهرة العنف، ظاهرة عالمية، لا يكاد يخلو أي مجتمع معاصر منها، ويكمن الفارق بين المجتمعات في هذا المجال في درجة ممارسة العنف، وفي نسبية أسباب الظاهرة. وكثيراً ما يترافق إرتفاع معدلات العنف داخل المجتمعات مع التحولات الكبرى والحادة التي تشهدها، وبمدى مخالفة هذه التحولات للنظم التقليدية السائدة في تلك المجتمعات. وفي الوقت الذي تحمل اللغة المحكية كلمةَ (العنف) مضموناً ناشطاً، يشير إلى مساس بالسلامة الجسدية والى فوضى متفجرة أو إضطرابات صاخبة. فإن الوعي الاجتماعي في وقتنا الراهن، أصبح أكثر نضجاً على نحو بدت فيه الضغوط الاجتماعية أو السياسية، وعلى الرغم من صفتها الشرعية أو المؤسساتية، حتى وإن لم تثر حركات التمرد أو الإعتراض، تعدّ اليوم حالات عنفية. وأياً كانت الجهة الفاعلة في ممارسة العنف (عنف رسمي أو غير رسمي أو شعبي)، فان اللجوء إليه يؤشر على وجود أزمة في المجتمع، تتناسب درجة حدتها مع مستوى ممارسة العنف على الصعيدين الكمي والكيفي. إذ يغدو العنف لغة التخاطب الأخيرة الممكنة مع الواقع ومع الآخرين، بعد أن يشعر كل فرد بالعجز عن إيصال صوته بوسائل الحوار العادي، وتترسخ القناعة لديه بالفشل في إقناعهم بالإعتراف بكيانه وقيمته. وعادة ما يتخذ النشاط السلوكي للعنف أنماطاً، تتبلور على وفق ماهيّة الأفكار المكونة له من جهة، وطبيعة السياقات الاجتماعية التي ينبثق منها ويتمظهر فيها من جهة أخرى. وبتباين السياقات الاجتماعية، قد تتباين أنماط ظواهر العنف وتتنوع، على الرغم من تقاربها من جهة عالم الأفكار. وثمة تعميم يفضي إلى ان العنف يمثل تهديداً كبيراً لاستمرار النظم الديمقراطية، ومفاد هذا التعميم هو ان العنف يحمل في طياته تهديداً متصاعداً يتمثل بسلسلة لا يمكن التنبؤ بها من الأحداث التي تخلص إلى تدمير تلك النظم. لاسيما وانه (العنف) لم يعد يلزم ممارسه إلى شرعنة ذاته، أو شرعنة فعله بأدوات ثقافية معترف بها، مع ان بعض ممارسي العنف قد يلجأ إلى ذلك، ليس بهدف إقناع الآخر ـ الضحية ـ بفعله، بقدر ما يسعى إلى خلق ثقافة تضطلع بمهمة تصنيع أشخاص يمارسون العنف ضد الآخر. من جانب آخر... فان العملية الصحفية تمثل شكلاً من أشكال التفاعل الإبداعي مع الواقع الموضوعي، تستهدف الإسهام في تكوين الأنساق المعرفية والقيمية والسلوكية لدى القارئ، عبر تشخيص الواقع ومواكبة تطوراته ومتغيراته. والصحافة برسائلها وموضوعاتها وأساليبها قد تكون مسبباً للعنف وأحد مثيراته، إلا أنها لن تكون وحدها مسؤولة مسؤولية أساسية عنه، فهي جزء من منظومة سياسية وإجتماعية واقتصادية وثقافية أشمل تسهم مجتمعة في إيجاد الظواهر المجتمعية وتنميتها. والعنف في العراق بعد ان شكل ظاهرة، وعلامة فارقة على ساحة الحدث الدولي، وأصبح إحدى الظواهر التي تحظى بالتناول الإخباري والتحليلي من قبل الصحافة عموماً والصحافة العربية الدولية على وجه الخصوص، كون هذه الأخيرة كثيراً ما تركز على تناول القضايا والشؤون والظواهر ذات الطابع الدولي، أو تلك التي لها أبعاد وتداعيات على المستوى الدولي. جاءت هذه الدراسة كمحاولة علمية جادة لتقديم تشخيص واضح ودقيق لماهيّة الإتجاهات التي إتخذنها الصحافة العربية الدولية إزاء العنف في العراق، وذلك عن طريق تحليل مضامين المقالات الصحفية المنشورة في الطبعات الدولية الثلاث من الجرائد العربية الدولية، هي: (الحياة ـ الشرق الأوسط ـ الزمان ).