الموصل، وكما يذكر المؤرخ، هي رابع بلد بعد الطوفان، وهي مدينة قديمة، كبيرة واسعة، طيبة الهواء، ماؤها عذب فرات، وهي على شاطئ نهر دجلة، ولها بستانين قليلة، وقرى كثيرة، وكان على ما قيل: فيها محلتان، الواحدة منهما يقال لها محلة الفرس، والأخرى محلة الجراتقة.وإلى هذا فقد كانت الموصل وعندما فتحها العرب سنة 16هــ تشمل على الحصن الغربي، و...
قراءة الكل
الموصل، وكما يذكر المؤرخ، هي رابع بلد بعد الطوفان، وهي مدينة قديمة، كبيرة واسعة، طيبة الهواء، ماؤها عذب فرات، وهي على شاطئ نهر دجلة، ولها بستانين قليلة، وقرى كثيرة، وكان على ما قيل: فيها محلتان، الواحدة منهما يقال لها محلة الفرس، والأخرى محلة الجراتقة.وإلى هذا فقد كانت الموصل وعندما فتحها العرب سنة 16هــ تشمل على الحصن الغربي، وهو على تل قليعات ومحلة المجوس وهم الفرس الذين سكنوا الحصن بعد سيطرة الفرس الساسانيين على الوصل في منتصف القرن (33)، وبيع للنصارى حولها بيوت لهم قليلة، وتقع قرب بيعة مار أشعيا المالية، وكانت تسمى (دير ربان أيشوع برقسري) ومحلة ثالثة لليهود وهي المحلة التي يسكنونها قبل أن رحلوا إلى فلسطين وتعرف اليوم بمحلة الأحمدية.وقد كان القرن الثاني عشر الهجري (القرن الثامن الميلادي) من العصور الزاهرة التي مرت على مدينة الموصل تقدمت فيها الصناعة وازدهرت الزراعة وزادت منتوجاتها ونشطت فيها التجارة، وتوسعت عمارتها، وأسس محبو العلم والمعارف فيها المدارس، ودور الحديث ودور القرآن الكريم والتكايا، وكان في كل مؤسسة، شيخ أو أكثر يتولى التعليم والإرشاد، وفيها خزانة كتب جليلة تكون مفتوحة لكل قاصد، وأقفوا الأوقاف الكثيرة التي تصرف على المعاهد العلمية وعلى من يعلم ويتعلم فيها.وقد سهلت هذه الخدمات الجليلة للطلاب طلب العلم فأقبلوا عليه، وقد نشطت الحركة العلمية على عهد الجليليين الذين حكموا الموصل بين سنتي 1139، 1249هـ لمؤازتهم هذه الحركة، وبما كانوا يقدمونه من هبات وعطايا من أجل ذلك، وصارت الموصل على عهدهم من الحواضر التي تشد إليها الرحال، حيث قصدها العلماء والأدباء وأرباب الصنائع من مختلف البلاد.في هذا العصر نشأ ياسين بن خير الله بن محمود بن الشيخ موسى الخطيب العمري الموصلي، صاحب هذا الكتاب، في بيت اشتهر بالعلم والأدب، ونبغ فيه عدد من العلماء وأهل الفضل، وكانت ولادته سنة 1158هــ في أم الربيعين، كان في صغره يتردد إلى المدارس، إلا أنه لم يواصل دراسته، بل إنه اشتغل بالمطالعة والوراقة والشعر وتأليف الكتب أو جمعها، وله من خزائن الكتب الكثيرة الموقوفة في معاهد العلم خير معين على هذا.وكان يطالع كتب التاريخ والسير والأدب والشعر والطب، لذا كانت معظم مؤلفاته أو تلك الكتب التي جمعها كافة، في التاريخ والأدب والطب، وكانت تمثل خلاصة ما كان يقرأه من الكتب فأفاد بهذا واستفاد، وترك من المؤلفات الكثير التي ما زالت من المصادر المهمة في مجالها، بالإضافة إلى ما تركه من الكتب الأدبية التي جمعها أو ألفها.ونظراً لأهمية هذا الكتاب فقد تم الإعتناء به، والعمل على تحقيقه، وكان بالنسبة لمحققه سعيد الديوه جي هو أول الكتب التي اشتغل عليها ضبطاً وتحقيقاً وقد عمد ابنه إلى إخراجه في هذه الطبعة مع مزيد من الإضافات التي كان قد حصل عليها، والتي كانت كثيرة وجديرة بالملاحظة، كما عمل على تعديل وتصحيح الأسماء والوقائع والتواريخ التي أجراها والده على المتن أو في هوامش الكتاب.وكتاب منية الأدباء هذا هو تعريف القارئ بمدينة الموصل وتاريخها، هذه المدينة العريقة في علمها وعلمائها ومكانتها العربية والعالمية، وليطلع الجيل الجديد على تاريخها وما قدمته من إبداعات على مر العصور.