لا مناص من التفريق بين عرض المسائل ودرسها دراسة تفصيلية في مؤلفات البلاغيين لأنهم يريديون دراسة المسألة على كل وجوهها بقطع النظر عن المآل الذي تؤول إليه، وبين ضوابط الإنجاز والعناصر المتحكمة فيه التي قد تستفيد من ذلك الدرس ولكنها تكون مجبورة على الاستجابة لمقررات أخرى تجبرها على أن تخرج عن تلك الضوابط وتصوغ الخطاب صياغة يتحكم في...
قراءة الكل
لا مناص من التفريق بين عرض المسائل ودرسها دراسة تفصيلية في مؤلفات البلاغيين لأنهم يريديون دراسة المسألة على كل وجوهها بقطع النظر عن المآل الذي تؤول إليه، وبين ضوابط الإنجاز والعناصر المتحكمة فيه التي قد تستفيد من ذلك الدرس ولكنها تكون مجبورة على الاستجابة لمقررات أخرى تجبرها على أن تخرج عن تلك الضوابط وتصوغ الخطاب صياغة يتحكم فيها راهن القول ودواعيه وإدراك هذا الفرق أمر لا بد منه لكي نفهم المسافة الفاصلة بين "الوصفات التعليمية" التي يبنيها الخطاب البلاغي النظري في الكتب وبين إنجاز اللغة وإعطائها وجهها العملي في المخاطبات. فما جاء في كتب البلاغة من دراسات لمختلف تلك الأساليب وأهميتها في إنتاج المعاني الثواني شبيه إلى حد كبير بدراسة النحاة في كتب النحو لنظام اللغة. ونحن نعرف أن ذلك النظام وإن كان مشتقاً من الاستعمال والإجراء يختلف عنه اختلافاً بيناًز وأكبر دليل على ذلك حديثهم عن التراكيب وخواص التراكيب. فبين الأمرين مسافة هي المسافة الفاصلة بين أبواب البلاغة المسطرة في الكتب وأنواع المخاطبات التي ينجزها المتكلم. وهذا معنى قولنا إن المسطور في كتبهم ليس مطلق القيمة أو إن شئنا فإنه لا يكتسي قيمته الأساسية إلا بالاستعمال.