يعد جلال الدين السيوطي من أشهر علماء عصره في مصر، حيث كتب في اللغة والأدب والفقه وعلوم الحديث والتفسير والتراجم والتاريخ، وتأتي مقاماته في مقدمة ما كتب في الأدب ويعتمد فيها على المحاورات والمفاضلات والمناظرات، ويقول الدكتور يوسف نور عوض: "إن ما تحدث عنه السيوطي في المقامات هو مجرد رموز أراد بها دلالات أوسع في الحياة الاجتماعية أ...
قراءة الكل
يعد جلال الدين السيوطي من أشهر علماء عصره في مصر، حيث كتب في اللغة والأدب والفقه وعلوم الحديث والتفسير والتراجم والتاريخ، وتأتي مقاماته في مقدمة ما كتب في الأدب ويعتمد فيها على المحاورات والمفاضلات والمناظرات، ويقول الدكتور يوسف نور عوض: "إن ما تحدث عنه السيوطي في المقامات هو مجرد رموز أراد بها دلالات أوسع في الحياة الاجتماعية أو الواقعية، وتعكس المقامات في ذات الوقت جانباً من الضغط الفكري الذي عاناه المفكرون في العهد المملوكي حتى لم تعد أمامهم غير استخدامهم لغة الرموز"، ويشكل هذا الفهم جوهر رأي الدكتور عوض في مقامة الرياحين، ذلك أنه ذهب إلى أنها ألفت بعد أن طلب السلطان طومان بأي الشيخ السيوطي ليفتك به، والحقيقية أن هذه المقامة ألفت قبل ذلك بسنتين. وإن ما دفع "نايف النوايسة" إلى مسرحة مقامه (الرياحين) عنصران مهمان هما: أولهما: موضوع المقامة الرئيس الذي حجبته غلالة الشكل الفني المتقن، فلم يكن السيوطي إلا شاهداً واعياً لقضايا عصره، وعالماً يقظاً في صنع أحداثه، وأراد في هذه المقامة أن يوجه النقد للحياة السياسية في زمانه وكان المماليك سبباً رئيساً في توجيه هذه الحياة على أساس الفتنة والتناحر والاحتراب وعدم الاستقرار، فطالت نار الفتنة الناس كافة وعلى رأسهم العلماء، وكان السيوطي في مقدمة من تطلبهم السلطان ليفتك به نتيجة لموقفه.وثانيهما: الصراع بين الرياحين في المقامة هو صراع سياسي بين أمراء المماليك في ظل الخلافة العباسية الشكلية، ونبات الفاغية في المقامة هو زمر للخليفة العباسي، والشكل الفني الرائع الذي صاغ فيه السيوطي مقامته استثار ما في الزمن من طاقات ليبين حالة الصراع السياسي القائمة وقد أشار الدكتور الدروبي في دراسته عن الرمز في مقامات السيوطي إلى عدد من الدلالات المتعلقة برمزية المقامة كدلالة الأسرة، الألقاب الديوانية، اللون، الأسماء والتهديد والوعيد.وكان من شأن هذه الإشارات أن نفيد كباحث في التركيز على بؤرة العمل الدرامي وجوهره، وحين شرع بهذا العمل تحتم عليه أن يبدأ من نهاية المقامة حتى يتمكن من خلال إمكانات المقامة نفسها من تشكيل مجلس القضاء ثم إنه أضاف خمسة شخصيات جديدة إلى جوار شخصيات المقامة كي يعمق القضية التي تتحاور الرياحين حولها، وزيادة حيوية الصورة الدرامية في النص.وأما الشخصيات فهي: المستشاران كاتب القضاء، الطبيب والرجل الغريب، هذا وقد قسم المسرحية إلى فصلين يتألف الفصل الأول من مشهدين مهدا لمجلس القضاء، والفصل الثاني من مشهدين: يقوم الأول على مناظرات الرياحين حول أحقيّة الحكم ويقدم الثاني على نطق القاضي بالحكم، وبيان من هو أحق من غيره بالسلطة.