"لا، لن تفعلي هذا" .. ها هى الكلمات تعود من جديد، بعثت حية ونشطة، تماما مثلما كانت فى تلك اللحظة، من ذلك الزمن السحيق، عندما تغلغلت بداخلى. ها هى تضغط وتثقل على بكل قوتها وبكل ضخامتها.. وتحت ضغطها يظهر بداخلى، ويطفو ويرتفع شئ بنفس قوتها، بل أقوى منها.. تحمله الكلمات الخارجة من فمى، وتدرسه هناك" Doch, Ich werde es tun" "بل سأفعله...
قراءة الكل
"لا، لن تفعلي هذا" .. ها هى الكلمات تعود من جديد، بعثت حية ونشطة، تماما مثلما كانت فى تلك اللحظة، من ذلك الزمن السحيق، عندما تغلغلت بداخلى. ها هى تضغط وتثقل على بكل قوتها وبكل ضخامتها.. وتحت ضغطها يظهر بداخلى، ويطفو ويرتفع شئ بنفس قوتها، بل أقوى منها.. تحمله الكلمات الخارجة من فمى، وتدرسه هناك" Doch, Ich werde es tun" "بل سأفعله". "nein, das tust du nicht" " لا، لن تفعلى هذا.. تصدر هذه الكلمات عن شكل كاد الزمن يمحوه.. لم يبق منه سوى حضور.. لسيدة تغوص فى سويسرا ب "انترلاكن" أو ب "بيتنبيرج"، أعتقد أنني كنت وقتها فى الخامسة أو السادس من عمري وكانت السيدة الصغيرة مكلفة برعايتى وبتعليمي اللغة الأمانية.. أميز بالكاد ملامحها.. لكنني أرى بوضوح سلة أشغال التطريز على ركبتيها، وفوقها مقص كبير من الصلب .. وأنا.. لا أستطيع أن أرى نفسي، لكننى أشعر بذلك وكأنني أفعله حاليا... أخذت فجأة المقص وأمكست به بقوة بين يدي.. مقص ثقيل سلاحاه مضمومان.. صوبت مقدمه نحو ظهر أريكة مغطاة بحرير جميل مشجر بلون أزرق حائل وله بريق لامع.- الألمانية.. كيف استطعت التمكن منها إلى هذا الحد؟ - نعم، إننى لأتساءل.. ولكن هذه الكلمات لم أنطلقها منذ ذلك الحين.. "Ich werde es zerreissen" ... "سوف أمزقه" ... كان لكلمة " zerreissen " صفير شرس، خلال لحظة واحدة سوف يحدث شئ ما... سوف أمزق وأخرب وأدمر... سوف يكون ذلك اعتداء... اغتيالاً.. عملاً إجرامياً.. ولكن لن يقابل بالعقاب الذى يستحقه، أعمل أنه لن يكون هناك أى عقاب.. ربما لوم بسيط، والتظاهر بعدم الرضا وبشئ من القلق من جانب والدي.. ماذا فعلت يا "تاشوك"؟ ماذا أصابك؟ واستنكار السيدة الصغيرة. لكن خوفا ما - أقوى من الخوف من عقوبات بعيدة الاحتمال وغير متوقعة- مما سيحدث بعد لحظة. لا زال يثنيني.. خوف مما لا رجعة فيه.. من المستحيل... مما لا نفعله أبدا، وما لايمكننا أن نفعله، وما لايسمح أحد لنفسه بأن يفعله... " Ich werde es zerreissen" "سوف أمزقه".. إنني أحذرك. سوف أخطر هذه الخطوة. أقفز خارج هذا العالم المهذب، المسكون، والفاتر والوديع، سوف أنتزع نفسى منه، وأسقط، أهو فى اللامأهول، فى الفراغ... "سوف أمزقه"... يجب أن أخطرك لكى يتوفر لك الوقت كى تمنعيني، كي تمسكى بيدي... "سوف أمزق ذلك"... سوف أقول لها ذلك بفوة.. ما ترفع كتفيها وتحنى رأسها وتنظر باهتمام إلى اشغال التطيرز... فمن ذا الذي يأخذ بجدي إعازج ومشاكسة الأطفال؟ سوف تتطاير كلماتي وتذوب، ويقع ذراعى مرة أخرى، واضع المقص من جديد فى موضعه فى السلة... لكنها رفعت رأسها نظرت في عينى وقالت لى وهي تضغ على مخارج الألفاظ، "nein, das tust du nicht" "لا، لن تفعلى هذا" ضاغطة على بلطف وحسم وإلحاح لا فكاك منه، بتلك الطريقة التى لمحتها بعد ذلك فى كلام ولهجة المنومين المغنطيسيين ومروضى الحيوانات... "لا، لن تفعلى هذا..." كلمات ثقيلة، تتدفق كثيفة، يتغلغل فحواها داخلى ليسحق ما يتحرك فيه، ليسحق ما يريد أن ينهض... وتحت هذا الضغط ينهض ويقوم بطريقة أقوى وأعلى، يدفع خارجي ذهه الكلمات بعنف... "بل سوف أفعله""لا لن تفعلى هذا..." تحيطني الكلمات، تطرقني، تقيدني، أقاوم.. بل سوف أفعله..وها أنذا أتحرر، الإثارة والحماس يدفعنا بذراعى، أغرز سن المقص بكل قواي، يستسلم الحرير، ينقطع، أشق ظهر الأريكة من أعلى إلى أسفل وأنظر إلى ما يخرج منه.. شئ لين ورمادي يخرج من الشق...