الحدثً رسالةٌ، وصائغوها والمُمضون عَلَيْها هُمْ سِتّون مثقّفاً أمريكياً، يُدّرس معظمهم في أشهر الجامعات بالولايات المتّحدة الأمريكية، وتاريخ الحدث هو فيفري 2002، وقد ترجمت أهمَّ أجزائها وعلّقت عليها جريدةُ "لوموند (Le Monde) الفرنسيّة بتاريخ 15 فيفري 2002.أمّا المثقّفون فهُم ينتمون إلى الإتّجاهيْن الديموقراطيّ والمحافظ المعتدل، ...
قراءة الكل
الحدثً رسالةٌ، وصائغوها والمُمضون عَلَيْها هُمْ سِتّون مثقّفاً أمريكياً، يُدّرس معظمهم في أشهر الجامعات بالولايات المتّحدة الأمريكية، وتاريخ الحدث هو فيفري 2002، وقد ترجمت أهمَّ أجزائها وعلّقت عليها جريدةُ "لوموند (Le Monde) الفرنسيّة بتاريخ 15 فيفري 2002.أمّا المثقّفون فهُم ينتمون إلى الإتّجاهيْن الديموقراطيّ والمحافظ المعتدل، بل إنّ أغلبهم من الإتّجاه الأخير، ومن هؤلاء نذكر فرانسيس فوكوياما، "نبيّ" العَوْلمة والمنتصر للديمقراطية اللّيبراليّة التي يعتبرها مستقبل العالم والإنسانية جمعاء، في القرن الحادي والعشرين، وصامويل هانتنغتون "النبيّ" الآخر، منظّر "صدام الحضارات"، ودانيال باتريك موينيهان، من مجلس الشيوخ، المُنَظِّر الأخلاقي، ودافيد بلانكنهورت الذي انتصر للعائلة في الولايات المتحدة الأمريكيّة ودعا إلى إحياء نفوذها بعد أن تبين له خطر تراجُع سلطة الأب، وميخائيل والْزِرْ الفيلسوف والمؤرّخ والمفكّر السياسيّ الذي فصل بين "الحروب العادلة" و"الحروب الجائرة".وأعاد النظر في علاقة الحرب بالأخلاق، وروبرت بوتنام الّذي حذّر من فصل المجتمع الأمريكيّ عن تراثه القوميّ وحمّل التلفزيون مسؤوليّة الإنفصام، وميخائيل نوفاك المحافظ الّذي انتصر للأخلاق المسيحيّة في مجتمع هيمنة أحكام السوق وعادات الإستهلاك، وأميتاي إتزوني عالم الإجتماع والمنتمي سابقاً إلى سلاح الجوّ الإسرائيلي ومستشار الرئيس الأمريكيّ السابق كارتر، ثمّ كلينتون، كما أفاد بالمشورة، وفي عديد المرّات، توني بلير...إنّ حجّة هؤلاء المثقفين واضحة في مقدّمة الرسالة وخاتمتها وفي متعدّد محاورها، وهي الإنتصار المُعْلَن للحرب ضدّ أفغانستان وما سيعقبها من حروب ممكنة في الشهور والأعوام القادمة بإسم تنوير العالم وتمثيل الإنسانيّة في الدفاع عن الحريّة والكرامة وحقوق الإنسان، كما تنصّ هذه الرسالة الموجّهة إلى كافّة سُكان المعمورة، وإلى مثقفي العالم على وجه الخصوص، على أنّ منفّذي عمليّات 11 سبتمبر 2001 هم الإسلاميّون، من المسلمين العرب تحديداً...فتتصدّر الرسالة مقدّمة تُشَرّع الحرب وتعتبرها أداةً لا بديل لها في معالجة أوضاع لا يُمكن تغييرها إلاّ بالسلاح؛ ولقد أدّت رسالة المثقفين الأمريكيّين دورها في تبرير شنّ الولايات المتّحدة الأمريكية حربها على شعب أفغانستان، ثمّ العراق، والإعداد لحروب أخرى قادمة، كما إستطاع هؤلاء بذلك إثبات إرادة التوحُّد بقطع النظر عن صواب الفكرة أو خطئها؛ ولكنْ، أيْنَ ردُّ مثقّفي الأمم الأخرى على هذه الرَسالة؟ أين ردُّ مثقّفينا العرب؟.بهذا السؤال الأخير تتأكّد الحاجة المعرفيّة إلى الخوض في موضوع "أيديولوجيا العنف" السائدة اليوم، وصياغة فصول هذا الكتاب بدْءاً بمحاولة توصيف "سياسة الحرب" ومروراً إلى الكشف عن "الكلّيانيّة الجديدة"، بتشريع ليبيراليّ، ثمّ الخوض في "المثاقفة المستحيلة - المثاقفة الممكنة" يليه إستقراء أحد الأمثلة على الإستشراق الغربيّ، وصولاً إلى بيان مختلف مفاهيم العولمة في راهن الفكر العربيّ.وما القصد من هذا التناول البحثيّ إلاّ السعي إلى التفكيك "أيديولوجيا العنف" لنفي مقولة "الحرب العادلة" بدْءاً، إذ الحرب في كلّ الأحوال هي قتل الذات بقتل الآخر، لأنّ المشترك بينهما هو الإنسان في عالم موحش لا يستدعي من الكائن سوى الإنفتاح على صنْوه الّذي هو الكائن، كما يُراد بهذا الكتاب الإسهام، المتواضع، من موقع الذات العربيّة المقموعة المحاصرة، في بلْوَرَة خطاب جديد للتواصل في هذا الزمن الصعب الّذي تمرّ به حياة الكائن وواقع الكينونة.