ليس الفلاح المصري شاهداً على تاريخ القرية، أو المجتمع القروي، فحسب، بل يمثل الحقيقة المصرية القديمة المعيشة الوحيدة الشاهدة على تاريخ الإنسان المصري على أرض مصر، تاريخ الأرض والبشر، الخصوبة والإنتاج، العبودية والاستعمار، العدل والظلم، الأصالة والمسخ. وبرغم كل شئ، لا يزال الفلاح المصري، وربما سيظل، حتى لو لم يمتلك الأرض، أثراً حي...
قراءة الكل
ليس الفلاح المصري شاهداً على تاريخ القرية، أو المجتمع القروي، فحسب، بل يمثل الحقيقة المصرية القديمة المعيشة الوحيدة الشاهدة على تاريخ الإنسان المصري على أرض مصر، تاريخ الأرض والبشر، الخصوبة والإنتاج، العبودية والاستعمار، العدل والظلم، الأصالة والمسخ. وبرغم كل شئ، لا يزال الفلاح المصري، وربما سيظل، حتى لو لم يمتلك الأرض، أثراً حياً عصياً، ونموذجاً بشرياً حيوياً، دالاً على سيرورة بقاء الإنسان المصري، وعلى ديمومة وجوده حول ضفاف النيل. ولما كان الفلاح يمارس أحد أبرز وجوه النشاط الإنساني، ولما كانت صلة البشر الجمالية بعالمهم تتبدى في كل وجوه هذا النشاط، فإن هذه الصلة تبلغ أرفع صور تجسيدها في نسق نوعي من مجمل أنساق الثقافة والوعي الاجتماعي، وهو الفن، فالمعاناة الجمالية إحدى السمات الأساسية للبشر، كما أن الشعور الجمالي ملازم للإنسان في كل إيماءة، وكل حركة، وكل عمل يقوم به، وفي كل وقع للحياة عليه، وإنما تجد تلك المعاناة، وذلك الشعور، تجسيدهما وكمالهما في الأعمال الفنية، وشأن "الرواية" أنها فن هذا الزمن، الذي يستطيع أن يصنع وجوهاً متعددة لهما. في هذه الدراسة، يتجه الباحث، د. مصطفى الضبع، إلى تحليل نموذج شخصية الفلاح في تراوحه بين الواقع والفكر والفن، مركزاً جهده-في النهاية-على درسه بوصفه شخصية فنية أقرب إلى التكنيك الفني، أي تحليله في إطار التحليل النصي، حيث يرصد، في الفصل الأول الملامح العامة لصورة الفلاح في الرواية منذ نشأتها، وحتى عام 1952م، كاشفاً عن عناصر المؤثرة في البنية الاجتماعية (القيم الاجتماعية والصراع الإنساني، الحدث التاريخي، الطبيعة، السلطة). وفي الفصل الثاني الذي يعتمد الفترة من 1953 إلى 1973، يكشف عبر تسعة مباحث عن أبعاد علاقة الفلاح بالأرض، المرأة، العمل الآخر، الزمن، الثقافة، البيت، أشياء المكان، البعد النفسي، على نحو ما تجسده أعمال هذه الفترة. وفي الفصل الثالث، يسعى الباحث إلى التفتيش عن الإضافة التي قدمتها شخصية الفلاح إلى الرواية على مساوى اللغة، وعناوين الروايات، وأسماء الشخصيات والحوار، والسرد، والرموز، وجماليات المكان. وتكمن أهمية هذه الدراسة في موضوعها الذي أهملته الدراسات النقدية الحديثة بوهم تقليدية هذا الموضوع.