أخذت أسأل نفسي إن كانت الحرب هي السبيل؟ وحتى هذه اللحظة لم أصل بيني وبين نفسي إلى إجابة عن هذا السؤال. إنما بقي السؤال يمسك بخناقي ويزيد حيرتي عُمقًا. أما الأمر الآخر الذي قادني إليه لقائي مع جماعة "ماتسبين"، فهو أنني بعد أن تركت "فتح" وعدت إلى مصر، شرعت في وضع كتاب عن "الاتجاهات غير الصهيونية في إسرائيل". وانتهيت منه ودفعت به إ...
قراءة الكل
أخذت أسأل نفسي إن كانت الحرب هي السبيل؟ وحتى هذه اللحظة لم أصل بيني وبين نفسي إلى إجابة عن هذا السؤال. إنما بقي السؤال يمسك بخناقي ويزيد حيرتي عُمقًا. أما الأمر الآخر الذي قادني إليه لقائي مع جماعة "ماتسبين"، فهو أنني بعد أن تركت "فتح" وعدت إلى مصر، شرعت في وضع كتاب عن "الاتجاهات غير الصهيونية في إسرائيل". وانتهيت منه ودفعت به إلى واحدة من دور النشر، فقبلت نشره. بعد ذلك أقلقني الكتاب، واستبدّ بي هذا القلق أثناء زيارة إلى لندن، فأبْرقتُ من هناك إلى الناشر أطلب ألَّا ينشر الكتاب. فلم يُنشر. لماذا فعلت هذا ؟ كان ما أقلقني في الكتاب هو ما أسميه الآن "طابعه المعملي". ففي ذلك الحين كان في إسرائيل العديد من الحركات السياسية والدينية الصغيرة المعادية للصهيونية، وبعضها يرفض من الأساس وجود دولة يهودية أو دولة لليهود. وتلك الحركات هي التي تناولْتها في ذلك الكتاب. وبعد أن انتهيت منه لم أحصد إلا القلق؛ إذ أدركت أنه عندما يركّز المرء اهتمامه ونظره على ظاهرة محددة، فإنها ستبدو أكبر من حجمها بكثير. ومهما تحفّظ الكاتب إلى نسبية الظواهر والأشياء، فإن قيام هذا الانطباع لدى القارئ وارد باحتمالات كبيرة. وعندئذ ألا أكون مذنبًا بخلْق "وهْم ما" لدى القراء العرب، وهو وهْم له أخطاره البالغة. ألاَ أكون مذنبًا بتعليق المستقبل على المجهول كما تفعل جماعة "ماتسبين"، وهو ما أخذته عليها؟كان وضْع الكتاب ثم النكوص عن نشره، عنوانًا آخر من عناوين "حيرتي العربية" التي تقابل "الحيرة اليهودية" التي أحسستها في تناول "أيزاك دويتشر" لليهودية في ثلاثيته عن "تروتسكي". لكنني في ذلك الحين لم أكن قد قرأت بعد شيئًا مما كتبه " دويتشر" عن إسرائيل أو الصهيونية أو فلسطين أو العرب. وكان ما كتبه في هذا الصدد لم يزل متفرقا، لم تجمعه دفّتا كتاب، بعد.فلما قرأت ذلك الكتاب، قررت أن أترجمه، لعلَّه يساعدني على أن أشرك غيري فيما أعاني من حيرة. وفي ذلك الحين، كتبت لهذه الترجمة مقدمة قصيرة، تميَّزتْ بالتحفُّظ - أو قُل: إنه الحذر، فالكتاب "يساعد على الفهم".