يزخر تراثنا العربي بالآلاف من الكتب العظيمة القيمة، والتي تناولت دقائق هذه اللغة الخالدة بأساليب مختلفة، ومن زوايا متعددة، كلها جداول وسواق تصب في بحر واحد ولكل منها نكهة ولون وطعم. ومن هذه الرياض المزدحمة بضروب الفن والجمال والإبداع يشمخ كتاب "المفصل في علم العربية" للإمام الزمخشري كسنديانة عتيقة يقيل بظلها الوافدون، وينعم بجما...
قراءة الكل
يزخر تراثنا العربي بالآلاف من الكتب العظيمة القيمة، والتي تناولت دقائق هذه اللغة الخالدة بأساليب مختلفة، ومن زوايا متعددة، كلها جداول وسواق تصب في بحر واحد ولكل منها نكهة ولون وطعم. ومن هذه الرياض المزدحمة بضروب الفن والجمال والإبداع يشمخ كتاب "المفصل في علم العربية" للإمام الزمخشري كسنديانة عتيقة يقيل بظلها الوافدون، وينعم بجمالها رواد العربية في كل جيل.بدأ الزمخشري كتابه بالتعريفات البسيطة والضرورية للغة، ممهداً الطريق أمام الناشئين ثم راح يخوض في لجة القواعد وتفسيرها وتقسيمها ذاكراً بداية "المرفوعات" ثم "المنصوبات" ثم "المجرورات" ثم "التوابع"، ثم ذكر "أصناف الاسم المبني". وبعد ذلك خلص لذكر الأبحاث الرئيسية في علم الصرف ثم "الأفعال" و"الحروف"، ثم ختم كتابه بباب سماه "من أصناف المشترك" تناول فيه إمالة والوقف والقسم وغير ذلك من الأمور المتفرقة.ومن هذا التبويب تظهر براعة المؤلف في الترتيب المنطقي الذي يقبع وراءه فكر منهجي منظم، كان حريصاً فيه على الأخذ بيد المبتدئين متدرجاً من السهل إلى الصعب، ومن العموم إلى الخصوص. وكان في ذلك يوجه كل العناية لاختيار الشواهد المناسبة والمأخوذ بها، والتي لا يشك بسلامتها من أشعار وأحاديث شريفة وأقوال نثرية وأمثال وآيات قرآنية وغير ذلك.كما ذيل هذه الكتاب السيد محمد بدر الدين النعساني بحاشية وضح فيه نسبة الشواهد إلى قائلها، وأكمل ما نقص منها، وذكر حين كان يقتضي الأمر ما قبل البيت الشاهد وما بعده لأحكام فهم مناسبة الشاهد، ثم شرحه وأعربه وبين موضع الاستشهاد فيه، وهذا كان دأبه في كل الشواهد الواردة عند الزمخشري فكان مكملاً له، رافداً لنهره المتدفق.أما المحقق "سعيد محمود عقيل" فقد حرص على ضبط ما ورد في الكتاب ضبطاً دقيقاً، وشرح ما يحتاج إلى شرح، وربط مواضع كثيرة عند الزمخشري مما جاء عند غيره من اللغويين مثل سيبويه وابن مالك والكسائي وابن عقيل وغيرهم، لتزداد الصورة وضوحاً في ذهن القارئ، كما واهتم بتخريج الآيات القرآنية والأحاديث ذاكراً مصادر الشواهد من الكتب القرآنية التي وردت فيها، واهتم أيضاً بتحقيق الأمثال وأسماء المواضيع ووضح الآيات القرآنية الواردة، كما عرف بالشعراء والإعلام الواردة أسماؤهم في المفصل وذيله.