يعرض هذا البحث بالدرس عرضاً مقارناً تجربتين من تجارب المؤلفين المسلمين في دراسة الأديان، هما: تجربة ابن تيمية كما تضمنها كتابه "الجواب الصحيح"، وتجربة رحمت الله الهندي كما تضمنها كتابه "إظهار الحق". وإنما وقع الاختيار على هاتين التجربتين لاعتبارات يتعلق بعضها بالتميز الذاتي في كل منهما، ويتعلق البعض الآخر بالتنوع الزمني والمنهجي...
قراءة الكل
يعرض هذا البحث بالدرس عرضاً مقارناً تجربتين من تجارب المؤلفين المسلمين في دراسة الأديان، هما: تجربة ابن تيمية كما تضمنها كتابه "الجواب الصحيح"، وتجربة رحمت الله الهندي كما تضمنها كتابه "إظهار الحق". وإنما وقع الاختيار على هاتين التجربتين لاعتبارات يتعلق بعضها بالتميز الذاتي في كل منهما، ويتعلق البعض الآخر بالتنوع الزمني والمنهجي في الدراستين، وهو ما يضفي حيوية في العرض ويضيف ثراء فيه.وقد استطاع الباحث أن يعرض هاتين التجربتين في دراسة الأديان بما يوفي بالغرض المطلوب إلى حد كبير، أن توضع بين يدي المهتمين بهذا الشأن الدراسة التي قام بها كل من المفكرين في صورة تمكن من الاستفادة منهما في سياق الهدف المطلوب على أحسن الوجوه، بحيث يتيسر توظيف ما هو معروض في سبيل التعديل الثقافي فياتجاه الصفة الحوارية المنتجة للتقارب والوئام بديلاً عن التباعد والصراع، ولم تكن هذه المهمة سهلة، ولكن الجهد الكبير الذي بذل فيها استطاع أن ينجز منها أشواطاً مقدرة.لقد عمد الباحث إلى أن يتقصى دراسة كل من المؤلفين، وأن يعيد في عرضه للقارئ ترتيب كل منهما على المفاصل الهامة فيهما من حيث القضايا ومن حيث المنهج، مراعياً في ذلك لما يصور حقيقة كل تجربة في ذاتها بما لا يخل بمقصود صاحبها منها وما بذله من جهد فيها، ومراعياً أيضاً الغرض الذي من أجله تعرضان، فيما يقتضيه ذلك من إبراز لما تدعو إليه حاجة المخاطبين بهذه الدراسة بحسب الغرض المطلوب، ومن توجيه لذلك نحو ما يحقق الغرض، وانتهاء إلى ما يؤسس ثقافة الحوار ويدعمها.ومنهج المقارنة الذي اقتضته طبيعة الدراسة، والذي التزمه الباحث باقتدار أضفى عليها حيوية في ذاتها بالانتقال في الوصف من زمن إلى زمن ومن فكر إلى فكر، ومكن من تسديدها نحو ما هو مطلوب منها من أإراض، فقد كان هذا المنهج المقارن يربط بين المنحى الذي انتحاه كل من المؤلفين الجليلين في التأليف موضوعاً ومنهجاً وبين المقتضيات الظرفية التي اقتضت ذلك، سواء فيما يتعلق بأحوال المخاطبين أو بالغرض من الخطاب، وهو ما من شأنه أن يفيد كبير الفائدة في بناء الثقافة الحوارية على ما تقتضيه الأحوال الراهنة وتتطلبه الأوضاع المقصودة بالعلاج، حيلولة دون أن تسقط في مثالية غالية تطوح بها نحو الغلو الذي لا يقطع أرضاً ولا يبقي ظهراً.ومما أثمرته هذه المنهجية المقارنة أيضاً ما أتاحت من فرصة لتبين مظاهر القوة ومظاهر الضغف في كل من الدراستين، إذ عند المحاكمة تستبين الأحوال في ذلك، وهو ما كان عاملاً إضافياً يساعد على التوجيه الثقافي نحو أن يؤخذ بما ظهرت بالمقارنة قوته في العرض والاحتجاج ومراعاة الأحوال، وأن يتقى ما ظهر بالمقارنة أيضاً ضعفه في ذلك، وهو مسلك توجيهي مفيد في هذا الشأن.