تحية القاري لصحيح البخاري

السّنة عند المسلمين، أحد أدلة التشريع في الأصول والفروع، أو الأخلاق الاجتماعية والمعاملات، وما يتصل بالحياة من سائر نواحيها، وما يلابسها من كافة أطرافها، وكلّما جاء في السنة المقدّسة التي هي عبارة عن كلام النبي صلى الله عليه وسلّم، أو فعله، أو تقريره، هو مقدس في عرف المسلمين، وفرض واجب عليهم اتباعه لا يحيدون عنه، وكل شأن تعرضت له السنة، أمراً أو زجراً، يتعبدون به ويحترمونه. وليس من السهل اليسير على المسلم أن يتسامح في شيء ثبت عن رسول الله صلّ الله عليه وسلّم، فإن السّنة قانون تشريعي يجب على كل مسلم، مخاطب بالتكليف، أن يطبق هذا القانون، ويعتبر مرادّه مقدسة لا يسوغ له أن يخالفها أو يتساهل في شيء منها، فهو تكليف ديني وفرض سماويّ له مكانته السامية الرفيعة. من هذا المنطلق طرح مؤلف هذا الكتاب مشروعاً لدراسة ونقد كتب الحديث. ويتناول المشروع حسم النزاع في مادة الحديث النبوي الشريف في أي كتاب مقصود بالدراسة وفق المقاييس التالية:1-وثاقة المؤلف، وهو أن يدرج المؤلف من خلال شخصيته وسيرته في مختلف ظروفها وملابستها، ومن خلال تقييم المعنيين لشخصيته الدينية والعلمية، للانتهاء إلى وثاقته أو عدمها، 2-منهج المؤلف في التأليف وفي العلم الذي يدور حوله. 3-أسانيد المؤلف في المتعارضات من الأحاديث التي لا تقبل الجمع والتوفيق فيها، كالحديثين المتباينين من جميع الوجوه، وليس كالتام والخاص والمطلق والمقيد وما شاكل. في ضوء هذه وأمثالها مما هو مذكور في مظانه يقاس واقع كتب الحديث بما ينهي إليه المقياس.وكتاب الإمام البخاري واحد مما يخضع للمقياس، وكذلك مؤلف الإمام البخاري واحد ممن يرفعه المعيار أو يضعه، ولا يضر حينما تكون النتيجة أن جميع ما فيه من أحاديث صحيحة ولو بالتأويل المقبول الذي يتمشى وأصول الشريعة. وكذلك لا يعيب حينما تكون النتيجة أن في الكتاب ما هو ليس يصحح سنداً أو متناً، لأن البخاري ليس معصوماً، وغير عزيز عليه الاشتباه والخطأ، والراوي إذا كان ثقة ينفي عنه تحديد الخطأ لا الوقوع فيه عن غير قصد. وتقديس الإنسان، أي إنسان، لصفته مؤمناً شيء، والتأكيد من سلامة ما انتهى إليه من نتائج شيء آخر لا تنافي بينهما ولا تضارب.