لخِّص هذه الآية الكريمة مرضًا نفسانيًّا مُزمنًا، لا يمكن شفاؤه بالعقاقير؛ ففي لحظة نشوةٍ واستعلاءٍ أعلنها فرعون على الملأ أنه رب البلاد والعباد، والمرجع والملاذ، منه تبتدئ الأمور، وإليه تصير! أليس هو المدَّعي تبجحًا بأن لديه مُلْكَ مصر، وهذه الأنهار تجري من تحته؟! ألا يعبده الناس من دون الله؟! ألا يستطيع أن يُبدِّد خصومه ويهلكهم...
قراءة الكل
لخِّص هذه الآية الكريمة مرضًا نفسانيًّا مُزمنًا، لا يمكن شفاؤه بالعقاقير؛ ففي لحظة نشوةٍ واستعلاءٍ أعلنها فرعون على الملأ أنه رب البلاد والعباد، والمرجع والملاذ، منه تبتدئ الأمور، وإليه تصير! أليس هو المدَّعي تبجحًا بأن لديه مُلْكَ مصر، وهذه الأنهار تجري من تحته؟! ألا يعبده الناس من دون الله؟! ألا يستطيع أن يُبدِّد خصومه ويهلكهم ذبحًا وتقتيلاً ونفيًا وتشريدًا! واختار لفظ الرب؛ لأن كثيرًا من المشركين كانوا يعتقدون بوحدة الرب الخالق، وتعدُّد الآلهة المعبودة التي تقرِّبُهم إليه، أو تشفع لهم عنده بزعمهم، وكان قد ادَّعى الألوهية أولاً ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، ثم تطاولت عيناه لمقام الربوبية! واختار لفظ الأعلى دون غيره لِمَا يحمله العلوُّ من معاني القهر والغلبة والسيطرة والسمو والجبروت دون غيره من الألفاظ. وهذه العبارة هي من إيجاز القصر في البلاغة، وهي تحمل في طيَّاتِها وإيحاءاتها كلَّ معاني الإثم والفجور والطغيان الذي عرَفته البشرية عبر تاريخها كله، ولم يُؤثَر عن أحد قالها قبل فرعون، حتى نمرود الذي حاجَّ إبراهيم في ربه، وادَّعى أنه يُحْيي ويميت، لم يؤثر عنه مثل قول فرعون بهذه البجاحة والصراحة: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]!