روى الثقاة من مؤلفي سيرته صلى الله عليه وسلم أنه بينما كان محمد صلى الله عليه وسلم مع أخيه في الرضاعة يرعى غنيمات أبي ذؤيب وأتراب له في السن خلف بيوتهم إذ عدى السعدي إلى مضارب أهله مسراً قائلاً لأبيه وأمه: إن أخي محمد قد أخذه ثلاثة رجال عليهم ثياب بيض، فأخذوه من بين أصحابه وهرب رفقائه فأتوا به على شفير الوادي، فعدى أحدهم إليه وأ...
قراءة الكل
روى الثقاة من مؤلفي سيرته صلى الله عليه وسلم أنه بينما كان محمد صلى الله عليه وسلم مع أخيه في الرضاعة يرعى غنيمات أبي ذؤيب وأتراب له في السن خلف بيوتهم إذ عدى السعدي إلى مضارب أهله مسراً قائلاً لأبيه وأمه: إن أخي محمد قد أخذه ثلاثة رجال عليهم ثياب بيض، فأخذوه من بين أصحابه وهرب رفقائه فأتوا به على شفير الوادي، فعدى أحدهم إليه وأضجعه على الأرض اضجاعاً لطيفاً، ثم شق بطنه ما بين مفرق صدره غلى منتهى عانته، واستخرج أحشاء بطنه ثم غسلها بالثلح الذي صحباه معهما، ثم أعاد أحشائه إلى مكانها، ثم قال الثاني لصاحبه: تنحى عنع فتنجى، فأدخل يده في جوفه فأخرج قلبه وشقه وأخرج منه نطفة سوداء ورمى بها. ثم مال بيده كأنه يتناول شيئاً، وإذا بخاتم في يده من نور يحار الناظرون دونه، فختم به قلبه بعد أن التئم شقه فاحتك نوراً، وذلك نور النبوة والحكمة، ثم قال الثالث لصاحبه: تنج عنه فنحاه عنه، فمر بيده ما بين مفرق صدره غلى منتهى عانته، وإن أثر الخاتم بقي في قلبه داهراً، وبينما الثلاثة يخطفون الرسول إذا أقبل أهل الحي لما بلغهم أخذه من بين الرهط الذين كانوا معه، تتقدمهم حليمة تهتف بأعلى صلوتها وتقول: واضعيفاه فأكب عليه الملائكة الثلاثة وضموني إلى صدرهم وقبلوا رأسي وما بين عيناي، وقالوا: حبذا أنت من ضعيف، ثم قالت: يا وحيداه، قالوا: حبذا أنت من وحيد.جرى هذا الحادث معه صلوات الله عليه وعمره لا يزيد عن السنتين وبين طيات هذا الكتاب ذكر للحوادث التي وقعت معه صلوات الله عليه وسلم. يتم ذكرها من خلال سرد مفصل لسيرته النبوية الشريفة بدءاً من حمل آمنة بنت وهب به إلى وضعه طفلا، وعن كيفية حمله وما صدر عند ولادته وعن نشأته في حياة جده عبد المطلب ثم بعده عنه أبو طالب وكيف كانت حياته و سلوكه في هذه البرهة من الزمن. قبل النبوة إلى أن بعثه الله جل وعلا رسولاً هادياً لأهل زمانه ولمن يأتي بعده.وقد يدهش القارئ عندما يقرأ هذا المختصر، وهذه الطريقة التي دونت جانباً بسيطاً عن عظمته، فإنه ولد وعاش سنين بين أمة جاهلية تقدس الأصنام وتعبد الأحجار، وتستحل كل معظميحرمه العقل والأديان التي سبقته، وهي تدين بمعتقدات صعبة رسخت في عقولها ومرت عليها قرون متطاولة رسخت في نفوسهم وساعدهم على ذلك البيئة التي يعيشونها من العزلة والبعد عن العالم الخارجي، وإذا فكر العاقل وجهد بعقله إلى أن يصل إلى سر تلك العظمة يحتار كيف استطاع أن يحرر تلك النفوس التائهة في ظلامات الجهل ويرشدها إلى إتباع الدين وسلطان العقل وبترك الدين والعادات الذي توارثته أباً عن جد من زيغ وأباطيل وكيف سطع نور الإسلام ببركته وهديه واعتنقه الشيخ والكهل والشاب والملك باختيارهم ومحض إرادتهم، وكيف تسابقوا على اعتناق مبادئه وما أوحاه الله إليه من نظم وقوانين تأصلت في نفوسهم في حياته وبعد وفاته وبعقيدتهم الإسلامية والقيم الخالدة التي اعتنقوها قضوا على سلطان الجهل وسطع النور الإلهي فعم الخافقين، ثم مشى على هديه من جاء بعده من الخلفاء والأئمة من ذريته بما ورثوه عنه من تعاليم وإرشادات تبوية قاموا ببثها بين المسلمين لتبقى خالدة ما دامت الدنيا باقية.