لم تأخذ موضوعات "الدولة الفاطمية" ما تستحقه من عناية في دراسات المؤرّخين والباحثين المحدَثين، ولعلَّ سبب ذلك يكمن في ندوة المعطيات المتصلة بأخبار هذه الدولة، رغم دورها المؤثر في حركة التاريخ الإسلامي، وما تركته من آثار فكريَّة وعلميَّة كانت ولا تزال محطَّ جدلٍ ونقاش واسعين، كما أن الخلاف المذهبي والعداء السياسي ذهب بقسم كبير من ...
قراءة الكل
لم تأخذ موضوعات "الدولة الفاطمية" ما تستحقه من عناية في دراسات المؤرّخين والباحثين المحدَثين، ولعلَّ سبب ذلك يكمن في ندوة المعطيات المتصلة بأخبار هذه الدولة، رغم دورها المؤثر في حركة التاريخ الإسلامي، وما تركته من آثار فكريَّة وعلميَّة كانت ولا تزال محطَّ جدلٍ ونقاش واسعين، كما أن الخلاف المذهبي والعداء السياسي ذهب بقسم كبير من الوثائق العائدة للعصر الفاطمي، وما تبقى منها تبعثر في بطون الكتب، وهي تمثل وجهة نظرة وحيدة الجانب عموماً، في ما يتصل بالدولة الفاطمية.إنَّ بعضاً من محطَّات "الدولة الفاطمية" التي ربما لم تتصدر دائرة إهتمام دارسي التاريخ الإسلامي تتعلق بالمرحلة ما قبل الأخيرة من حياة الفاطميين، حيث كانت حافلة بالتطورات والأحداث التي تركت بصماتها الواضحة وغيّرت في مسار الدولة الفاطمية على غير مستوى وصعيد.وما أثار إهتمام مؤلف هذا الكتاب، مسألة ملتبسة من تاريخ الفاطميين، تتمحور حول دور الأسرة الجمالية التي تولَّت الوزارة الفاطمية مدَّة قاربت الستين عاماً، تعاقب على هذا المنصب ثلاثة وزراء من هذه الأسرة، كانت لهم إسهاماتهم في ميادين السياسة والإجتماع والعمران والثقافة، إضافة لدورهم الأساسي وتأثيرهم البالغ في سلسلة التطورات التي شهدتها هذه الدولة خلال فترة حكمهم التي تخللتها علاقات مع مختلف الدول المجاروة.والجدير ذكره، أن ثمة إختلافاً في وجهات النظر إزاء إنجازات الجماليين وأعمالهم في الدولة الفاطمية، وقد جهد في دراسته لهؤلاء محاولاً إلقاء جانب من الضوء على الظروف والأوضاع المحيطة التي رافقت الجماليين وأسهمتْ في بلورة بعض التطورات لدى الفاطميين.وهكذا توزعت دراسته على خمسة فصول أساسية، تفرَّعت منها عناوين ثانوية، وتمحور الفصل الأول حول الخلافة والوزارة في عهد الأسرة الجمالية، حيث كانت هناك إطلالة على مسألة المشروعية الدينية الذي تمسّك بها الفاطميُّون، وآثار كذلك بواعث إختيار الفاطميين لمصر منطلقاً لحركتهم، وعرض من جانب آخر، التطور الذي مَرَّ به منصب الوزارة في الإسلام، وأقسام الوزارة وأنواعها، ومن ثم بحث في أدوار الجماليين في الوزارة الفاطمية والألقاب التي اختاروها لأنفسهم وأهمية ذلك.تناول الفصل الثاني سيرة بدر الجمالي، مؤسس الأسرة الجمالية، وناقش فيه دوافع اعتماد الفاطميين على الأرمن الذي ينتمي إليهم بدر، وعرض لظروف نشأة بدر وملابسات ارتقائه منصب الوزارة الفاطمية والمراحل التي إجتازها وما تخلل ذلك من أحداث هامة؛ وبحث كذلك في الأوضاع السَّائدة في مصر عشيَّة قدوم بدر الجمالي إليها وعوامل نجاحه في هذا الإطار، وكيفية معالجته للأزمات الإقتصادية وإهتمامه بالنواحي الإدارية والمالية.وتعلّق الفصل الثالث بالدعوة الفاطمية في ظلِّ الأُسرة الجمالية، وقدم فيه لمحة موجزة عن أصول الإسماعيلية، والدور الذي لعبته هذه الأسرة في مجال الدعوة وبخاصة ما أحدثه الأفضل الجمالي من تغييرات هامة في العقيدة الإسماعيلية وإنقسامها، نتيجة ذلك، إلى نزارية ومستعلية، وانتهى إلى معالجة إجراءات الأكمال الجمالي في محاولته الرامية لنقل مذهب الدولة من الإسماعيلية إلى الإمامية الاثني عشرية.وأثار في الفصل الرابع العلاقات الخارجية للدولة الفاطمية أثناء حكم الجماليين، ومدى إسهامهم في تعزيزها وتطويرها على المستويات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، حيث أشار إلى العلاقات الثنائية القائمة آنذاك مع كل من الحجاز واليمن وبلاد الشام والحبشة والنوبة، كما توسع في دراسة علاقة الفاطميين مع الفرنج وحاول تعليل مواقف الأفضل الجمالي تجاه حملات الفرنج، والجدل الذي أثارته في أوساط الباحثين.وخصَّص الفصل الخامس للحديث عن المنجزات الحضاريَّة للفاطميين في عهد الجماليين في المجال العمراني والعلمي والأدبي، إضافة لدورهم في تعزيز النشاط الزراعي والصناعي والتجاري.