مثلت خراسان أهمية إدارية سياسية في هذا العصر ولنا أن نرى في تقسيمات هارون الرشيد لدولته بين أبنائه حيث كانت خراسان من نصيب المأمون، وكان لها دور في الصراع بين الأمين والمأمون، بل من خراسان كانت انطلاقة المأمون ليحقق النصر وبالتالي تصبح خراسان هي الإقليم الحاكم بدلاً من العراق ولتكون مرو بدلاً من بغداد لفترة من الزمن.وخراسان في ا...
قراءة الكل
مثلت خراسان أهمية إدارية سياسية في هذا العصر ولنا أن نرى في تقسيمات هارون الرشيد لدولته بين أبنائه حيث كانت خراسان من نصيب المأمون، وكان لها دور في الصراع بين الأمين والمأمون، بل من خراسان كانت انطلاقة المأمون ليحقق النصر وبالتالي تصبح خراسان هي الإقليم الحاكم بدلاً من العراق ولتكون مرو بدلاً من بغداد لفترة من الزمن.وخراسان في العصر العباسي ارتبطت بأهميتها الاقتصادية والسكانية فقد كانت من أكثر مناطق الدولة واردات حيث بلغت حسب تقديرات بعض المصادر في القرن الثالث الهجري ما يعادل 27 مليون درهم، كما كانت خراسان مركزاً هاماً بإنتاجيتها المتنوعة وكونها من طرق البريد والتجارة الهامة، حتى إن البعض قال عن خراسان في حضرة المأمون: "هي المملكة بأسرها".ويمكن القول إن خراسان موقعاً وسكاناً بقيت تلعب دوراً هاماً في تاريخ الدولة العباسية في حالتي القوة والضعف، وكانت موطناً ومطمعاً لعدد من الأسر التي استقلت أو حاولت الاستقلال عن المركز، ولنا في الدولة الطاهرية (205-259هـ) والدولة الصفارية (254-290هـ) ثم الدولة السامانية (261-389هـ) أمثلة على ذلك لتبدأ بعد ذلك أسرة تركية في احتلال المركز الأهم حيث قامت الدولة الغزنوية المنسوبة إلى مدينة غزنة (الواقعة في أفغانستان الحالية).وإذا استعرض الثورات والدول التي قامت في هذه المنطقة فلم يكن سببها ما يشاع هو الظلم وكثرته في السلطة المركزية ورجالاتها -رغم وجوده- بل الأمر يرتبط بجملة عوامل كان الظلم أحدها كما كان ضعف الدولة وتراخي قبضتها على الأطراف سبباً آخر، ولذا فإن حركات الاستقلال في خراسان بمشرق الدولة تشابه في بعض أوجهها حركات الاستقلال في مغرب الدولة.وأما الحديث عن خراسان في العصر الغزنوي وهو عنوان الكتاب الذي نقدم له والذي قام بتأليفه الزميل الدكتور محمد حسن العمادي، فإن هذه الدراسة جاءت دراسة تاريخية مجذرة تخدم القارئ حيث أن الباحث وبوعي الباحث التاريخي قدم معلومات جغرافية وتاريخية رصدت تطور تاريخ خراسان وجغرافيتها الطبيعية والبشرية قبل العصر الغزنوي وجاء ذلك بأسلوب المختصر غير المخل وابتعد فيه عن التفصيل الممل.وحين عالج الدكتور محمد "خراسان في العصور الغزنوي" نأتي بدراسته عن أن تكون دراسة سياسة تهتم برصد سلسلة الحكام وأعمالها على أهمية ذلك وهو الأبسط والأسهل منالاً، فاختار الأكثر مشقة والأعظم أهمية بأن جعل دراسته شاملة غطت الجوانب السياسية العسكرية الاقتصادية، الاجتماعية، والفكرية، وقد أفاد كل هذه الجوانب بما يمتلكه من وسائل البحث وأضاف لذلك إضافات هامة حيث اعتمد في دراسته على عدد من المصادر الأساسية باللغة الفارسية التي يعرفها ومكنته هذه المعرفة من خدمة البحث بشكل جيد وجديد.وبعد فإن هذا العمل -خراسان في العصر الغزنوي- من الأعمال العلمية الجيدة التي تقدم نفسها بنفسها إلى القارئ. لهذا كله فإن كتاب "خراسان في العصر الغزنوي" جاء ليسد فراغاً وليتحل ركناً هاماً في المكتبة التاريخية الإسلامية وبخاصة عن هذه المنطقة، لا لأن هذا العمل هو الأول في موضوعه ولكنه قد يكون الأول في تنوع مادته ومصادره كما أن هذا العمل يفتح الطريق أمام دراسات أخرى تشمل تاريخ هذه المنطقة الهامة سكاناً وموقعاً وأحداثاً.