صحيح أن هناك بعض الكتابات المتناثرة عن تراث هذه القبائل والعشائر السوقية من الناحية التاريخية نجده بين بطون الكتب التاريخية، لكن وللأسف أن الجانب الأدبي للسوقيين نادر أو قل غير موجود في مكتباتنا العربية الرسمية والخاصة، ويبدو أن الباحثين أغفلوا دون قصد مثل هذه الدراسات التي تهتم بأدب هذه القبائل، وأرجح بأن سبب ذلك يعود إلى صعوبة...
قراءة الكل
صحيح أن هناك بعض الكتابات المتناثرة عن تراث هذه القبائل والعشائر السوقية من الناحية التاريخية نجده بين بطون الكتب التاريخية، لكن وللأسف أن الجانب الأدبي للسوقيين نادر أو قل غير موجود في مكتباتنا العربية الرسمية والخاصة، ويبدو أن الباحثين أغفلوا دون قصد مثل هذه الدراسات التي تهتم بأدب هذه القبائل، وأرجح بأن سبب ذلك يعود إلى صعوبة الوصول إلى أشعار هؤلاء السوقيين حيث أن إنتاجهم ظل محصوراً بينهم، ولم يحظ بباحث أو دارس من تلك القبائل يجمع شعرهم ويسعى لتصديره خارج نطاق القبيلة أو العشيرة. ومن هنا كانت المفاجأة لي سارة حين اطلعت على هذا الكتاب ووجدت فيه ما يروي ظمأ الباحث وينير ضالة الدارس، وأعترف بأني طربت وأنا أقرأ قصائد لشعراء تلك النواحي، فهي أشعار دررها ثمينة ومعانيها بليغة، وأسلوبها راقٍ جميل فيه جمال الصحراء ونكهتها. نعم قرأت أشعاراً لهم، وكأني أتلمس فيها أشعار امرئ القيس، والبحتري، والمتنبي وأبي تمام وغيرهم من رواد الشعر العربي الأصيل من حيث اللفظ والمعنى، والأسلوب والمضمون. وما أثلج صدري، تلك المدارس الأدبية الجمة التي كانت منتشرة وبكثرة في صحراء الطوارق، والتي في كثير من الأحيان تتمايز فيما بينها بالمساجلات الشعرية والتي أضفت على أشعارهم مسحة فنية وجمالاً وروعة. ومن هنا نقول: بأننا لو أخضعنا شعر الطوارق لميزان النقد، شكلاً ومضموناً، سنجد ان جُلَّ أشعارهم جاءت صورة صادقة عن أشعار العالم العربي، سواء أكان ذلك في نظام القصيدة من حيث المقدمة والصور البيانية واللفظ والمعنى، أم من حيث المضمون. ونحن كأدباء وأساتذة ورواد أدب ونقاد، نعترف بأن تلك البقاع الإسلامية التي ينتمي إليها هذا الشعر، لم يلق أدبها أي اهتمام، ولم تحظ بدراسات وأبحاث تميط اللثام عن أدب هذه البيئة الثرية في إنتاجها، لتؤكد للعرب والمسلمين في شتى بقاع المعمورة الإسلامية بأن لهم في تلك الفيافي البعيدة، في الصحراء الكبرى وفي مالي والنيجر وموريتانيا أخوة كِرام، يعتزون بدينهم الإسلامي كل الاعتزاز ويفتخرون بلغة القرآن كل الافتخار، وترجموا هذا الانتماء في قصائدهم الشعرية، ومؤلفاتهم الدينية والأدبية المطبوع منها وغير المطبوع. لا شك أن مكتبتنا العربية تفتقر إلى سفر مثل هذا السفر يجمع شتات أشعار السوقيين، ويترجم لشعرائهم، فهم وإن كانت أشعارهم قليلة لكنها أشعار تصور لنا بيئة شعرية إسلامية لم تخدم من الدارسين والباحثين عرب ومسلمين. فجاء الأديب الشاعر محمد بن أحمد الإدريسي السوقي لينفض الغبار عن جزء كبير من أشعار السوقة، وحاول أن يرسم صورة زاهية لشعر هؤلاء الشعراء، وقد وفق في هذه المحاولة، حيث استطاع أن يضع أيدينا كباحثين على ثروة شعرية كانت مهملة، فجاء من أعاد لها الحياة والبريق، فجهده واضح في كتابه، فهو جهد عليه مشكور وعمل غير منكور، وسيبقى إضافة جديدة للمكتبة العربية والإسلامية، تفتخر به وتعتز.