لقد رافق الصراع التاريخيّ والسياسيّ الذي خاضته الحضارة الإسلاميّة لإثبات وجودها صراعاً آخر هو الصراع الفكري، الذي أسهم في ظهور الكثير من الأسئلة الكلاميّة والفلسفيّة ضمن المنظومة المعرفيّة الإسلاميّة، وقد تأثّر بتلك الأسئلة بعض الكتّاب والباحثين من دعاة التغيير والتطوير في المنظومة الفكريّة الإسلاميّة، لكي تكون مواكبةً للتقدّم ا...
قراءة الكل
لقد رافق الصراع التاريخيّ والسياسيّ الذي خاضته الحضارة الإسلاميّة لإثبات وجودها صراعاً آخر هو الصراع الفكري، الذي أسهم في ظهور الكثير من الأسئلة الكلاميّة والفلسفيّة ضمن المنظومة المعرفيّة الإسلاميّة، وقد تأثّر بتلك الأسئلة بعض الكتّاب والباحثين من دعاة التغيير والتطوير في المنظومة الفكريّة الإسلاميّة، لكي تكون مواكبةً للتقدّم الحضاري والعلوم المعاصرة كما يزعمون، فطرحوا آراءهم وإشكالاتهم ونظريّاتهم في المعرفة الكلاميّة الجديدة خاصةً والدّينية عامّة.ومن بين تلك الآراء ما طرحه الدكتور عبد الكريم سروش في مؤلَّفاته ومنها: "بسط التجربة النبويّة".يأتي هذا الكتاب: "دعوى بشريّة القرآن"، لمؤلِّفه الأستاذ محمّد عدنان الربيعي، ليتناول بالعرض والنقد والتحليل ما جاء في نظريّة سروش بسط التجربة النبويّة، وأهمّ شُبهة أثارها، ألا وهي بشريّة القرآن الكريم، والتي خلّفت جدلاً واسعاً في الوسط الدّيني عموماً، والإيراني خصوصاً، ممّا دفع العديد من المفكّرين والعلماء للردِّ عليها في أشكالٍ متعدّدة، أخذت بعضها طابعاً علميّاً، وبعضها الآخر طابعاً فكريّاً.والكتاب يُقدّم دراسة وافية لموضوع الوحي والنبوّة في الرؤية الإسلاميّة (التقليديّة)، وما يُسمّى بـ (الرؤية التجديدية الإصلاحية).تناول المؤلِّف في الفصل الأول من الكتاب كليّات تمهيدية في الوحي والنبوّة (رؤية قرآنية)، وفي ثمانية مباحث تناول فيها الوحي وعصمته، وردّ دعوى بشريّة القرآن ومن عدّة أبعاد تتعلّق بالوحي، والإعجاز القرآني، وبيّن المؤلِّف أنّ القرآن إلهي الإيجاد، محمّدي الإبلاغ بلسان أهل العرفان، وكيفية مظهرية الرسول (ص) للأخذ والإعطاء، وبيّن أنّ الرسول (ص) تابعٌ للقرآن لا العكس.وتطرّق المؤلِّف إلى دعاوى الإصلاح في الفكر الدّيني، والتي بدأت بالظهور في أواخر القرن العشرين، وبدايات القرن الواحد والعشرين.في الفصل الثاني تحدّث المؤلِّف عن دعوى التجربة النبويّة، وقدّم عرضاً لأهمّ مرتكزاتها من خلال أربعة مباحث تناول فيها ملخّص التجربة النبويّة من وجهة نظر سروش، وعرض لأهمّ نقاط البحث في دعواه.كما قدّم المؤلِّف عرضاً موجزاً للبراهين التي زعمها سروش على مدّعاه بأنّ الوحي يعتبر أمراً نفسيّاً بشريّاً، ثمّ تطرّق إلى الأسباب التي أدّت بالدكتور سروش إلى إطلاق مثل تلك الادّعاءات.ثمّ تناول المؤلِّف في الفصل الثالث من كتابه بالعرض والنقد والتحليل دعوى التجربة النبويّة لدى الدكتور سروش، وأفرد لذلك أحد عشر مبحثاً تناول فيها مواضيع عديدة منها: نقد دعوى سروش في النبوّة، ونقد دعوى أنّ الوحي من عند النبي (ص) نفسه، ونقد دعوى خلق النبي (ص) للقرآن، ونقد دعوى تطرّق الخطأ إلى القرآن وعلم النبي (ص)، والخلط وعدم التفريق بين الوحي والتجربة الدّينية، وكيف تؤثّر دعوى سروش على حجّية القرآن الكريم.وبعد ذلك قدّم المؤلِّف ملخّصاً لما طرحه في مجمل كتابه، بالإضافة إلى خاتمة أوجز فيها وجهة نظره فيما يخص رؤية سروش للوحي والقرآن والنبوّة.ولابدّ من الإشارة إلى أنّ دعوى بشريّة القرآن ليست بجديدة على الذهن المسلم، بل هي واحدة من الشبهات والشكوك الكثيرة التي ترافقت مع نزول الوحي بأولى آيات الذكر الحكيم، فتصدّى لردّها الرسول الأكرم (ص)، ومن بعده سيّد البلغاء والمتكلّمين الإمام عليّ (ع)، ثمّ أبناؤه المعصومون (ع).