في صدر الإسلام كانت النفوس ناصعة البياض، لا مجال للوهم في عقولهم، وفي ظل الدولة الأموية انشغل القادة بالفتوحات، حيث امتدت امتداداً لا مثيل له من حدود فرنسا إلى قلب الصين والهند وروسيا. وفي ظل الدولة العباسية كانت بداية الداء ممن دخلوا الإسلام من أعاجم الفرس والهند، إذ حملوا طلاسمهم وعاداتهم إلى كنف الدولة الإسلامية، في وقت مال ف...
قراءة الكل
في صدر الإسلام كانت النفوس ناصعة البياض، لا مجال للوهم في عقولهم، وفي ظل الدولة الأموية انشغل القادة بالفتوحات، حيث امتدت امتداداً لا مثيل له من حدود فرنسا إلى قلب الصين والهند وروسيا. وفي ظل الدولة العباسية كانت بداية الداء ممن دخلوا الإسلام من أعاجم الفرس والهند، إذ حملوا طلاسمهم وعاداتهم إلى كنف الدولة الإسلامية، في وقت مال فيه بعض الولاة إلى الرفاهية بعد أن دانت لهم البلاد، فدخل السحرة والدجالون إلى أروقة الدواوين يقدمون الحيل ويتلاعبون بالسحر، وجاءت الدولة العثمانية، فتجلبب الناس بجلباب التصوف وانتشر السحر، وطبعت معظم كتبه، ولا نعيب الدولة في هذا وإنما من خلد إلى الجهل، من حبس نفسه في الزوايا وأطال لقبه وهو قابع في التكايا. إن رسالتنا المتواضعة تدور حول مشكلة مهمة في مجتمعنا بدأت تتفشى به، وتوقع أعداداً من الطيبين والبرآء فتدمر حياتهم وتجعلهم أشباحاً بلا أرواح، إنه حديث السحرة والمشعوذين. وكيف لا، وقد صار لهذه الحالة صحف ومجلات وقنوات يعرض من خلالها المدجلون دجلهم ويقدمون شعوذتهم، وجلُّهم يردد اسم الإسلام ويتلفظ بآيات القرآن ليستر مروقه، إذ يظهر للرائي أنه يعالج بالقرآن، فإذا طُرق بابه عالج بالشيطان. وإنَّ المستقرئ للتاريخ البشري، والمتأمل للتراث الإنساني يجد أن ثمة حقيقة مرةً مؤلمة، وهي أن العقول البشرية قد تعرضت لعمليات وأد واغتيال خطيرة عبر حقب طويلة، بما غرز في أعماقها من خناجر الوهم والخرافة، وألغام الدجل والشعوذة، ففي فرنسا يوجد أكثر من ثلاثين ألف ساحر ومشعوذ.. وفي ألمانيا ثمانون ألف.. وفي غيرها كثير. وممن أصيب بهذا الداء المسلمون. حتى قيل في آحادهم: فلان بن فلان وحيد عصره وفريد دهره، وأستاذ الأساتذة، فيض رب العالمين، وشيخ المجددين، وحجة الله على العالمين، وكأنه يقول للقارىء اقرأ كتابي هذا وإياك أن تكون من المخالفين. هذا الفكر المضطرب الذي يختلط فيه الحق مع الباطل، نعيشه نحن في هذه الأيام، وتلك لعمر الحق أعتى طعنة تسدد في خاصرة الإنسان العقلية وقواه الفكرية والمعنوية، ومن ثم فإن التحرر الحقيقي من أغلال الوهم وآصار الدجل إنما يمثل السياج المحكم، والدرع الواقي، والحصن الحصين لحق من أهم حقوق الإنسان، وهو تحصين عقله من الخيالات، وحفظ فكره من الخرافات. ومن هنا كانت أنبل معارك العقيدة تحرير العقول الإنسانية من كل ما يصادم الفِطَر، ويصادر الفكر، ويغتال المبادئ والقيم. إن تصديق أدعياء علم الغيب وإتيان السحرة والرمَّالين والمنجِّمين والمشعوذين، الذين يزعمون الإخبار عن المغيبات، أو أن لهم قوى خارقة يستطيعون من خلالها جلب شيء من السعد أو النحس أو الضر أو النفع لهو ضلال عظيم وإثم مبين. وإن أعمال الشعوذة خصلة شيطانية، وخلة إبليسية ولوثة كفرية، ودسيسة يهودية، يقودها أناس تعاظم خطرهم وتطاير شرهم واستفحل شررهم، فكم من بيوت هدمت، وعلاقات زوجية تصرمت، وحبال مودة تقطعت بسببهم... ومقابل مبلغ زهيد يتقاضونه من ضعاف النفوس وعديمي الأخلاق الذين أكل الحسد قلوبهم، فيتفرجون على أخوة لهم، ويتشفّون برؤيتهم وهم يعانون آثار السحر الوخيمة. وهؤلاء الغاشون لأمتهم يأتون الناس من أبواب شتى: فتارة من باب العلاج الشعبي والتداوي بالطب العربي، وأخرى من باب التأليف والمحبة بين الزوجين وهو ما يسمى بالتَّوَلَه، وتارة من باب الانتقام بين الخصمين، وتارة من باب ادعاء الكرامة متظاهرين للناس بشيء من الخوارق موهمين السُدّج بشيء منها. وخسئ أعداء الله، وإن طاروا في الهواء، ومشوا على الماء، وزعموا تحضير الأرواح والتنويم المغناطيسي، ولبّسوا على العيون بما يسمونه بطريقة الكف والفنجان وغيرها من أعمال البهلوان، وكلها من الموبقات المهلكات، والشرور والبلايا والسيئات. من هنا يأتي الواجب العظيم في تكثيف الحصانة العقيدية الإيمانية ضد هذه الأعمال الشيطانية. بل الواجب القضاء على هذه الفئة الضالة، لما تمثله من خطر على الأمة وإخلال بالعقائد، واستهانة بالعقول وابتزاز للأموال. والأمل كبير في أن يسترجع المسلمون ما فرَّطوا فيه من أمر عقيدتهم، وإنقاذ التائهين في دروب الباطل والأوهام إلى شاطئ النجاة وساحل الأمان.رابط الموضوع: http://www.alukah.net/library/0/71356/#ixzz3IPpSqXzt