يثير عنوان الكتاب: "التقمص وتذكر الحياة السابقة، إنتقال الروح أم الذاكرة"، أكثر من إشكالية، فهو من جهة يضع عقيدة التقمص أمام إحتمالين لا ثالث لهما، فأما أن تكون إنتقالاً للروح من جسد إلى آخر، أو أن تكون الذاكرة هي المنتقلة بطريقة أو بأخرى، وليس الروح.وهذا ما يجعل المسألة مطروحة على مستوى الإشكالية الثانية: هل الإنتقال روحياً أم ...
قراءة الكل
يثير عنوان الكتاب: "التقمص وتذكر الحياة السابقة، إنتقال الروح أم الذاكرة"، أكثر من إشكالية، فهو من جهة يضع عقيدة التقمص أمام إحتمالين لا ثالث لهما، فأما أن تكون إنتقالاً للروح من جسد إلى آخر، أو أن تكون الذاكرة هي المنتقلة بطريقة أو بأخرى، وليس الروح.وهذا ما يجعل المسألة مطروحة على مستوى الإشكالية الثانية: هل الإنتقال روحياً أم ماديّاً؟ ذلك أن عمل الذاكرة يتم عبر الأنشطة الكهرومغناطيسية للدماغ، وهذا ما لا تتعلق به الأشكال والمستويات التي تعمل بها الروح، وإن كان من غير المعلوم على وجه الدقة، أو على المستوى التجريبي، كيفية عملها، ولكن وعلى الأقل فإن من المعروف أن عمل الروح لا يندرج تحت الأطر المادية - التجريبية، فهذا الأمر بديهي ومسلم به منذ عصر الفلسفة اليونانية، وخلال العصور الوسطى، وصولاً إلى الفلسفة الحديثة المعاصرة.ومهما يكن من أمر، فإن الهدف من هذه الدراسة يمثل محاولة في البحث في الإشكالية الثانية الواردة آنفاً وليس التصدي لأي معتقد ديني في ما يتعلق بمصير الروح بعد الموت، وإيجاد تفسير منطقي، ومعقول قدر الإمكان، لظاهرة التذكر وإنتقال العلامات الجسدية الفارقة (الوحمية).وإلى هذا، فقد شملت هذه الدراسة على ستة فصول، يعرض الباحث في الفصل الأول لعقيدة التقمص (أو التناسخ) في حضارات وديانات الشرق القديم، في الهندوسية والبوذية، والمانوية، ومصر الفرعونية، مدرجاً الحضارة اليونانية مع أنها لا تعتبر تاريخياً من حضارات الشرق القديم، ولكن تم إدراجها لعدم إمكانيته إفراد تصل خاص بها، لأسباب منهجية وفكرية، في الفصل الثاني دار الحديث حول التقمص في اليهودية والمسيحية والإسلام على ضوء ما جاء في النصوص الكتابية لهذه الديانات (التوراة والإنجيل والقرآن)، وفي الشروح المتعلقة بها، كالتلمود اليهودي، وفكر بعض آباء الكنيسة الأوائل، والتفاسير القرآنية للنصوص التي تحتمل تأويلاً مؤيداً لهذه العقيدة.أما في الفصل الثالث، فقد عرض الباحث لعقيدة التقمص عند الفرق والمذاهب الإسلامية، في نشأتها المبكرة، عند الفرق الإسلامية الأولى، كالحائطية والحارثية والخرّمية، إلى جانب الفرق والمذاهب التي نشأت فيما بعد، وفي فترات تاريخية مختلفة، كإخوان الضعاء، والتصيرية، والدرزية.وأما ما جاء حول التقمص ومصير الروح، فقد كانت بمثابة مقاربة إستقرائية تحليلية، حيث عرض الباحث في هذا الفصل الذي هو الرابع، لهذه العقيدة عند الهندوسية ومذهب التوحيد الدرزي بشكل رئيسي، وذلك في أربعة مباحث هي: الأول التقمص وإرتقاء الروح، والثاني التقمص والتذكر (النطق)، والثالث التقمص والتمييز في الجنس والمعتقد، والرابع التقمص واليو الآخر.واشتمل الفصل الخامس ما جاء في التقمص عند الباحثين المعاصرين، مشتملاً على مبحثين رئيسيين: الأول عرض فيه الباحث لأسس ومبادئ هذه النظرية عند الباحث الأميركي البروفسور إيان ستيفنسن، من خلال كتابية: "عشرون حالة توحي بظاهرة التقمص"، و"أطفال يتذكرون حيواتهم السابقة"، وفي الثاني تم عرض دراسات وأبحاث آخرين في هذه العقيدة، مثل آلان كاردك، وغوستاف جيلي روموريس ما ترلنك، والسر أوليفرلودج، وجفري هرسون، وجان بيارشانا بينزلر، والباحث التركي البروفسور رشاباير.وأخيراً كانت هناك قراءة تحليلية في بعض حالات التقمص وذلك في الفصل السادس والأخير، حيث عمد الباحث إلى عرض حالات عاينها شخصياً، وسمها من أصحابها، أو لأخرى قام بتحقيقها أحد طلابه في الجامعة بهدف الإعداد لرسالته الجامعية، كما عمد إلى عرض حالة حديثة، قام هو بتحقيقها في ربيع العام 2013، وذلك أثناء إعداده لكتابه هذا.وذلك بهدف قراءتها تحليلياً وإستخلاص السمات والمبادئ المشتركة فيما بينها، كمدخل أساسي للفرضيات الرئيسة التي حاول من خلالها الإجابة عن الإشكالية الأساس المطروحة وهي هل التقمص هو إنتقال للروح أم للذاكرة؟ كما للإجابة، كما للإجابة عن العنوان ككل على السواء: "التقمص وتذكر الحياة السابقة".