ارتبطت حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر، منذ نشأتها، بالثقافة الغربية ونموذجها الشعري، حيث ألصق النّتاج العربي الحديث في أغلب الأحيان، بالغرب.ومما لا شك فيه أن حركة الحداثة ما كانت لتنشأ في شعرنا وأدبنا عموماً، إلا بنوع من التواصل مع النتاجات الغربية الحديثة في أوروبا، وأميركا.هذا التواصل الذي ابتدأ بشكله الأولى مع بعض المهج...
قراءة الكل
ارتبطت حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر، منذ نشأتها، بالثقافة الغربية ونموذجها الشعري، حيث ألصق النّتاج العربي الحديث في أغلب الأحيان، بالغرب.ومما لا شك فيه أن حركة الحداثة ما كانت لتنشأ في شعرنا وأدبنا عموماً، إلا بنوع من التواصل مع النتاجات الغربية الحديثة في أوروبا، وأميركا.هذا التواصل الذي ابتدأ بشكله الأولى مع بعض المهجريين من أمثال: "نسيب عريضة"، "جبران خليل جبران"، "ميخائيل نعمة"، "إلياس فرحاتب" ثم اتخذ شكلاً متطوراً عبر الشعراء العراقيين الثلاثة: السياب والملائكة والبياتي؛ حيث برزت مع هؤلاء ومع غيرهم من الشعراء في الشام ولبنان، أسماء شعرية كبرى وعلى رأسها "ت.س.إليوت"، إضافةً إلى "جون كيتس" و"إزرا باوند" و"إيديث سيتويل"... وقد نشأ خلاف حول هذه المسألة بين بعض الأعلام في الشعر الحديث ونقده حول منشأ الحداثة أكان من قبل العراقيين الثلاثة أم كانت مع المهجريين؟.هنا ينفتح أمامنا مجال لسؤال جوهريّ، وهو: هل سبقت الشعر الحديث في مجتمعنا رؤيا جديدة للوجود، ومرجع آخر غير المرجع الغربيّ نابع من عمق تراثنا وبيئتنا؟ وفي الإجابة عن هذا السّؤال، تبرز لدينا شخصيّة غامضة خارجة عن الوسط الأدبيّ المعروف كان ظهورها سياسيّاً وإجتماعياً أكثر منه أدبيّاً، هذه الشخصيّة هي شخصيّة أنطون سعادة.فهو يبرز كواضع لرؤيا جديدة للحياة والكون والفن أسّست القاعدة الرّاقية لحداثة شعريّة تؤدّي دورها العالميّ، وذلك من خلال عدة كتابات في هذا المجال ولا سيّما كتابه "الصّراع الفكريّ في الأدب السّوريّ" الذي يشكّل أحد الأركان الأساسيّة في المنظومة العقيدية للنّهضة السّوريّة القوميّة الإجتماعية التي أسّسها هو ووطّد أركانها.فأنطون سعاده ليس مجرّد رجل سياسة فحسب، بل هو أبعد من ذلك، مفكر نهضويّ عمل بجدّ لتحقيق الإنبعاث الحقيقيّ لنهضة أمّته، على جميع الصعد الّتي تمكّنه من تحقيق غايته.من هنا كان تناوله لموضوع الأدب في سورية، حيث خصّه بعدّة كتب أهمّها "الصّراع الفكريّ في الأدب السّوريّ" في سنة 1940، إضافة إلى "جنون الخلود" بين 1940 و1942، وبعض المقالات التي تمحورت حول موضوع أدب الحياة وأدب الكتب والأدب الذي تحتاج إليه بلادنا سورية.وقد كان تأثير "أنطون سعاده" واضحاً في شعراء الحداثة، وخاصّةً كتاب "الصّراع الفكريّ" وذلك بإعترافهم الشّخصيّ، حيث أنّ الذين استلموا دفّة الحداثة إبتداءً من النّصف الثاني من خمسينات القرن الماضي ومع صدور مجلّة "شعر" عام 1957، كانوا قد تشرّبوا العقيدة القوميّة الإجتماعية جيّداً.وإستناداً إلى ذلك، يسأل المؤلف عن حقيقة النظرة إلى الأدب، والشعر خصوصاً عند سعاده، وما هي حقيقة تأثير كتابه في شعراء الحداثة؟ وما هي الطّروحات الّتي تطالعنا فيه؟ خصوصاً مع التّعتيم الذي حاول البعض تطبيقه على مؤلّفه؛ وذلك دون أن ننسى العديد من الدّراسات التي تناوله عن إدراكٍ واعٍ بأهميّته، على أنّ هذه الدّراسات في معظمها لم تتناول نظرته في الكتاب إلى الفنّ بعامّة، والأدب بخاصّة، إنطلاقاً من كونها جزءاً أساسيّاً ونتيجة طبيعيّة للفكر الذي احتضن حركة النّهضة القوميّة الإجتماعية، ووجّهه، بشكل وافٍ.وقد حاول المؤلف إبراز هذه المسألة في هذا البحث، مع التّركيز على ما يخصّ الأدب كذلك تأثير هذا الكتاب في حركة الحداثة الشّعريّة.