عرفت "فيصل سلمان" منذ سنوات طويلة وتابعته كاتباً وصحافياً وإنساناً يقدِّر الصداقة وينتمي إلى أهل الوفاء، عاصر "فيصل" فترات مهمة من تاريخ لبنان الحديث وتسنّت له الفرصة ليكون مقرّباً من رجالاتها فاكتسب من هذه التجربة معرفة وعمق إطّلاع، لكنه كان دائماً منحازاً إلى أمانات المجالس، ولعلّه في ذلك عانى صراعاً حادّاً بين الصحافي الذي عل...
قراءة الكل
عرفت "فيصل سلمان" منذ سنوات طويلة وتابعته كاتباً وصحافياً وإنساناً يقدِّر الصداقة وينتمي إلى أهل الوفاء، عاصر "فيصل" فترات مهمة من تاريخ لبنان الحديث وتسنّت له الفرصة ليكون مقرّباً من رجالاتها فاكتسب من هذه التجربة معرفة وعمق إطّلاع، لكنه كان دائماً منحازاً إلى أمانات المجالس، ولعلّه في ذلك عانى صراعاً حادّاً بين الصحافي الذي عليه أن يطلّ إلى الرأي العام بما عنده من معلومات، وبين الحريص على ألاّ يتسبّب ما يكتبه في إختلال ولو بسيط في ميزان الإستقرار أو العلاقات السياسية عامودياً وأفقياً.كتب "فيصل سلمان" في السياسة، لكنه كان دائماً منحازاً إلى ذلك الأسلوب المخصَّب بالسخرية، السخرية التي تُوجع ولا تُدمي، تُخجل ولا تُحرج، تُضحِك ولا تُحقَّر.مزج "فيصل" كتاباته الساخرة بشيء من الطرافة وبشيء من الأدب الشعبي، وبكثير ممّا حوته كتب التاريخ والأشعار والأزجال، لكنه كان دائماً يميل إلى الإيجاز وهو ما دفعه إلى أن يسمي عموده اليومي "اختصر" الذي فيه دائماً ما قلّ ودلّ بعيداً عن الإسترسال، وهو على هذه الحال منذ عقدين تقريباً.حين أطلّ "فيصل سلمان" من على شاشة تلفزيون "أخبار المستقبل" مطلقاً فقرته "فكّر فيها" ظنّ كثيرون أن التجربة ستكون موضع تساؤل وقلق، لكنها أثبتت ومنذ أيامها الأولى نجاحاً ملحوظاً راح يتمدّد مخترقاً الحواجز السياسية وغير السياسية، فما صمدت أمامه حدود مناطقية أو إيديولوجية أو إجتماعية.في قراره "التلفزيوني" كان "فيصل سلمان" واعياً لأهمية الإنتشار لكنه ما كان ليحقق ذلك لولا أنه حاكى هموم الناس ومشاغلهم، مطالبهم وأمانيهم، ولعلّه في إطلالته باللهجة المحكية لأمس حدود الإدعاء المحقّ بأن ما يقوله يومياً هو تماماً ما كان يقوله المواطن قبل ساعة، أو ما كان ينوي البوح به بعد ساعة.أمنت الناس لـ"فيصل سلمان" واستوثقته على أسرارها فجعلته متحدّثاً باسمها حتى لكأنها كانت تترك له أفكارها داخل علب هدايا تضعها أمام المنازل وعند حفافي الشبابيك، فيمر هو كالمسحَّراتي يجمعها ليلاً فما إن يأتي الصباح حتى تكون موضَّبة في "فكّر فيها".في هذا الكتاب اختار "فيصل سلمان" نحو ألف نص - ألف حلقة من حلقات "فكّر فيها" قدمها طوال ثلاث سنوات مضت من على تلفزيون "أخبار المستقبل" وكأني بها عملٌ يوثِّق ويؤرِّخ لسنوات مفصلية هزّت لبنان.تبقى كلمة أخيرة تقال في المؤلِّف، الذي لم يخطئ يوماً بوصلة الإنتماء الوطني والعروبي، المؤمن بنهائية لبنان بلداً لعيش مشترك أكدته بنود "إتفاق الطائف" الميثاقية.السيدة بهية الحريري