من أين تبدأ حميمية الكتاب والأدباء: من العالم الخارجي أم من داخل بيوتهم ومكاتبهم؟الجواب عن هذا السؤال وجدته في هذا الكتاب، "أين كانوا يكتبون، بيوت الكتَاب والأدباء في العالم"، الذي قامت زوجتي المهندسة والمترجمة رجاء ملاح بالعمل على ترجمته، بتشجيع مني؛ فأسلوب الكتاب مختلف تماماً عمَّا نقرأه في التحقيقات الصحافية الأخرى، لأنه يروي...
قراءة الكل
من أين تبدأ حميمية الكتاب والأدباء: من العالم الخارجي أم من داخل بيوتهم ومكاتبهم؟الجواب عن هذا السؤال وجدته في هذا الكتاب، "أين كانوا يكتبون، بيوت الكتَاب والأدباء في العالم"، الذي قامت زوجتي المهندسة والمترجمة رجاء ملاح بالعمل على ترجمته، بتشجيع مني؛ فأسلوب الكتاب مختلف تماماً عمَّا نقرأه في التحقيقات الصحافية الأخرى، لأنه يروي حياة الكتَاب والأدباء من داخل الجدران ويسجّل كيف التصقت أعمالهم وحياتهم بها، بأدق التفاصيل، من ديكورات الجدران إلى طاولات الكتابة وستائر غرف النوم وكل ما يتعلق بالعالم الحميمي للكتابة وكيف ولدت أعمالهم الأدبية بكل نبضاتها وأفكارها؛ يُضاف إلى ذلك أنه ثمرة جهود ثنائية بين صحافية ومصوّرة، فهو كتاب أنثوي بالدرجة الأولى، تشعر بذلك من خلال كلماته وصوره حيث اعتنينا بتفاصيل ربما لا يرتكز عليها الرجل.الكتاب الحالي تناول عدداً من الكتَاب والأدباء، ولكل كاتب ذكرياته عن البيت الذي عاش فيه، فعلى سبيل المثال: كانت مارغريت دوراس تحت منزلها لأنه يحتوي على حديقة تعيش فيها طيور محلقة وقطط مسترخية وسناجب تلهو...واختارت كارين بليكسون قبرها في الحديقة تحت شجرة عمرها قرن كامل، ووقع جان كوكتو في غرام منزله من النظرة الأولى، وأعجب غابريال دانونزيو بيته في أثناء تحليقه بالطائرة فقرر شراءه؛ وطلب كارلو دوسي من عائلته أن تحفر كلماته على أعمدة بيته المرمرية، وعثر لورنس دوريل على بيته في أثناء تجواله في فرنسا، وأطلق وليم فولكنر على منزله اسم نبات يحمل السعادة بحسب الأساطير الإسكتلندية.كان جان جيونو يضع مطرقة أبيه الإسكافي أمامه ويكتب على طاولة الكوي التي كانت أمه تعمل عليها، كتب كينيت هامسون آخر رواية له في منزله هذا وهو في التسعين من عمره؛ ووجد إرنست همنغواي في منزله جنة عدن، أما هيرمان هيسه فيمنحه بيته التأمل بعيداً عن صخب أوروبا، وسلمى لاجيرلوف فقد أعادت شراء البيت الذي باعته عائلتها.وكان غوسيب توماسي دي لامبيديوسا يقطع مسافة طويلة ليصل إلى بيته، أحب ألبيرتو مورافيا منزله لأنه كان يضع آلته الكاتبة مطلة على البحر، اختارت فيتا ساكفيل - ويست قصراً يحتوي على 4 أبراج و100 مدفئة و365 غرفة؛ بينما اختار ديلان توماس عوّامة لتكون منزله، ظل مارك توين حزيناً طيلة حياته لأن أضاع منزله وظل شبح قصره يحوم في رأسه إلى آخر لحظة من حياته. وفيرجينيا وولف عشقت بيتها إلى درجة أنها تصورته قطعة من الجنة، وعاش وليم بتلر بيتس في بيت على شكل برج، وفي نهاية المطاف، كانت مارغريت يورسنار تتنفس مع أشجار الصنوبر والبلوط في حديقة منزلها.وقد زرت بيوت أدباء ومشاهير آخرين، وتمكنت من تسجيل بعض الملاحظات وتمعّنت في ذلك الركن الهادئ الصغير حيث يكتبون ويخططون لأعمالهم وعوالمهم الروحية الحبيسة: "زرت بيوت خمسة من عباقرة الأدب الفرنسي: هم: ألكسندر دوما، هنري دي بلزال، غوستاف فلوبير، إميل زولا، وجورج صاند وغيرهم من الذين أمضوا حياتهم من أجل أن يشيدوا عوالمهم وأفكارهم من الكلمات والريشة والحبر والورق، وظلت مكاتبهم المكان الذي يحتفظ بذاكرتهم الأكثر إشراقاً وتألقاً... وتحولت في ما بعد، إلى متاحف يزورها ملايين القراء من عشاق أدبهم".