إن من يقرأ هذا الكتاب سيلاحظ، ضمن أمور أخرى، أن الوشم والوشي قد شكلا فيه قاعدة للعبور إلى موضوعات كثيرة تعد أساسيات في أصول الشعر، ونقاط ارتكاز الهم عند الإنسان في العصر الجاهلي، فالطلل، والناقة، والثور، وأغلب الحيوان والنبات في عالم الإنسان والطبيعة ارتبطت جميعها بشكل ترابطي تلاحمي في الدراسة، لذا أصبح، مؤهلاً لأن نطلق عليه "شم...
قراءة الكل
إن من يقرأ هذا الكتاب سيلاحظ، ضمن أمور أخرى، أن الوشم والوشي قد شكلا فيه قاعدة للعبور إلى موضوعات كثيرة تعد أساسيات في أصول الشعر، ونقاط ارتكاز الهم عند الإنسان في العصر الجاهلي، فالطلل، والناقة، والثور، وأغلب الحيوان والنبات في عالم الإنسان والطبيعة ارتبطت جميعها بشكل ترابطي تلاحمي في الدراسة، لذا أصبح، مؤهلاً لأن نطلق عليه "شمولية المعرفة" لذلك العصر.ولم تقف معالجة ظاهرة الوشم والوشي فيه عند العقلية الجاهلية حسب، وإنما استفادت من نظرات الأمم الأخرى التي تعاملت معها بما يشبه تعامل الإنسان الجاهلي، مما وسع دائرة الحركة داخل النصوص الشعرية فأغناها من خلال الربط بين المقول وطبيعة العقلية التي انبثق منها. إن مثل هذه السياحة في الموجود والمغيب من حركة الإنسان وأسرار الكون داخل الشعر الجاهلي فرضت على الدكتور فايز توجهاً استبطانياً رامزاً في معرفة النص وقراءته للوصول بالتالي إلى الوظائف الشعرية التي تؤديها مثل هذه الظاهرة في النص الجاهلي.وصف المؤلف إن ظاهرة استخدام صورة الوشم والوشي ألح عليها كثير من الشعراء الجاهليين في شعرهم، حتى برزت عندهم ظاهرة تدعو للإثارة والاهتمام، وهي تصلح لأن تكون موضوعاً للدراسة والبحث، وخاصة أن الدراسات الكثيرة التي تناولت الشعر الجاهلي لم تفرد لها دراسة خاصة بها. وإن كنا نج-د أن بعض الدارسين قد أشاروا إليها في ثنايا دراساتهم، إلا أن هذه الإشارات ليست كافية لتغطية جوانبها باعتبارها موضوعاً يستحق منا دراسة منفردة. الأمر الذي دعاني إلى أن أقوم بدراستها، علاوة على أن الشعر الجاهلي أرضية صالحة للتوجه الذي أتباناه في دراستي هذه من ناحية، ولارتباطه، (أي الشعر الجاهلي) بالعقلية العربية التي تشكل الفطرة الأولى من ناحية أخرى. وصورة الوشم والوشي من الصور التي تحقق مهمة فاعلة في مثل هذه العقلية. إذ أن الصلة بينهما قوية، ولذلك كان لا بد لكل مهما أن يتبادل مع الآخر التأثر والتأثير. وقد قمت بتسجيل هذه الدراسة بقسم اللغة العربية في جامعة اليرموك لنيل درجة الماجستير.وقد جاءت هذه الدراسة في مدخل وأربعة فصول: ناقشت في المدخل جانبين: الأول: المعنى اللغوي والاصطلاحي للوشم والوشي. فبينت المعنيين من خلال المصادر والمراجع التي تيسرت لي في هذا الموضوع، فاتخذت لي معنى اصطلاحياً خاصا اعتمدت عليه في فهمي للوشم والوشي. والثاني: الأساس الأنثروبولوجي للوشم والوشي. وقد تناولت فيه المعاني المختلفة في العقلية الإنسانية البدائية، مستعيناً بعدد من الدراسات الأنثروبولوجية التي اهتمت بمثل هذا الموضوع.وتناولت في الفصل الأول المادة والمصدر اللذين يكونان صورة الوشم والوشي في الشعر من حيث المواد المستخدمة في صنع الوشم والوشي وأماكن صنعهما، والأشكال التي وردا فيها، والمواقع التي وضعا عليها. وقد ضممت لكل منهما توابع محددة، فجعلت من توابع الوشي النبات والمساء، والأثافي، ومجلس الشارب، ورجعت إلى كثير من الآراء التي دارت حول هذه الجوانب. وأثبت بعد ذلك ما ارتأيته منها صواباً.وعالجت في الفصل الثاني الوظيفية الشعرية التي تقدمها صورة الوشم والوشي في الشعر الجاهلي، و كان جل اهتمامي، هنا، هو إبراز المعاني الخلفية التي قدمها كل منهما من خلال علاقاته الفكرية والإنسانية التي ظهرت في المدخل.وقصرت الحديث في الفصل الثالث على الصورة من الجانب البلاغي، فدرست فيه تشكيل الأشكال البلاغية التي ورد فيها كل من الوشم والوشي، وقسمتها إلى ثلاث صور، هي: الصورة الإشارية، والتشبيه والاستعارة. وناقشتها على اختلاف تفريعاتها. وقد شفعت في هذا الفصل بجداول إحصائية رصدت فيها أهم الجوانب المتعلقة بطبيعة البنية الأسلوبية للصورة. وقد جعلت مناقشتي لها نابعة من العلاقات الموضعية في البناء الشعري.ودرست في الفصل الرابع صورة الوشم والوشي في بناء القصيدة الجاهلية، فقسمته إلى ثلاثة جوانب، تناولت في الجانب الأول المواقع الشعرية التي تردد فيها كل منهما، ليكون هذا الجانب تمهيداً للجانب الثاني وهو العلاقات البنائية للصورة في الموقع الشعري بعلاقاتها الموضوعية. وأما الجانب الثالث، فهو الجانب التكاملي للقصيدة الجاهلية، تناولت فيه ثلاثة أنماط: الأول: نمط الوشم. والثاني: نمط الوشي. والثالث: نمط الوشم والوشي. وقد عالجت فيه العلاقات الكلية التي يثيرها مل نمط في القصيدة.