فى الفصل الثالث من الكتاب حاولت أن أنطلق من بحث العلاقة بين خطاب التصوف وخطاب الفلسفة، ووجدت أن حركة الحب هي التي تحرّك كلا الخطابين نحو الرغبة في معرفة الأصل (الحكمة)، وأن مسار الفلسفة ومسار التصوف يلتقيان في اعتماد المجاز آلية لصياغة حقائقهما، فكلاهما يبني خطابه بهذه الآلية التي تتيح له أن يرى شيئاً من خلال شيء آخر (المجاز). إ...
قراءة الكل
فى الفصل الثالث من الكتاب حاولت أن أنطلق من بحث العلاقة بين خطاب التصوف وخطاب الفلسفة، ووجدت أن حركة الحب هي التي تحرّك كلا الخطابين نحو الرغبة في معرفة الأصل (الحكمة)، وأن مسار الفلسفة ومسار التصوف يلتقيان في اعتماد المجاز آلية لصياغة حقائقهما، فكلاهما يبني خطابه بهذه الآلية التي تتيح له أن يرى شيئاً من خلال شيء آخر (المجاز). إنهما يفكران في العالم وأصله وعلّته وألوهيته بهذه الآلية. وبهذه الآلية أنتجا (مجازات مبدعة) تعيننا على التفكير في الألوهية والعالم والإنسان والعلاقات القائمة بينها، منها مجازات (النور والمشكاة والكهف والمرآة والظلال والتجلي والفيض والحب والدائرة والعالم الصغير والعالم الكبير والسريان والكنز والشجرة والجوهر والجزء الذي لا يتجزأ والهيولي والقابل). لقد وجدت أن خطاب ابن عربي يمثل نموذجاً لعمل هذه الآلية، وخطابه الصوفي محبوكٌ بهذه المجازات التي لا يمكن تجريدها من خطابه، فهي بمثابة الأرض التي يحفر فيها مفاهيمه الصوفية والفلسفية عن الوجود والله والإنسان، وقد وقفت في هذا الفصل على خمسة مجازات صاغ من خلالها ابن عربي مفهومه لوحدة الوجود، أو لنقل بلغته إنّ (وحدة الوجود) تتجلى في كل مجاز من هذه المجازات الخمسة، فهذه المجازات صورة لهذه الوحدة ترى فيها وجودها، وإن هذه الوحدة مرآة لهذه المجازات ترى فيها جانباً من جوانب تحققها.