جريمة التحريض على الانتحار - دراسة مقارنة

مما لا شك فيه أن جريمة التحريض على الانتحار عرفتها الشعوب منذ القدم واهتمت بها الشرائع السماوية، ومنها الشريعة الإسلامية قبل التشريعات الجنائية، لأنها من الجرائم التي تهّز تماسك المجتمع وتفكك بنيانه، ولكون الجاني يستعمل طرقاً احتيالية ووسائل لا تخلو من الذكاء مستغلاً ظروف المجني عليه النفسية ليزرع بذور شرورهِ ومكائدهِ ولاسيما ناقصي الإدراك والإرادة، ولا يقتصر فعل الجاني في هذه الجريمة على شخصية أنانية حاقدة بل يتمثل في تشجيع ومساعدة الغير على التخلص من الحياة وإنهاء وجوده فيها بأساليب دنيئة ولاسيما إذا علمنا أن الانتحار من الظواهر التي تنتشر بدوافع التقليد، لذا تأتي أهمية البحث من أن الجناة في عصرنا الحالي قد كيفوا أساليبهم الإجرامية في التحريض أو المساعدة مع التطور العلمي والتكنولوجي والاجتماعي لذا تنوعت أساليب ارتكابها مع ما يرافقها من تسهيلات اقتضتها تطورات مناحي الحياة كتسهيلات السفر ووسائل النقل وكل طرق الاتصال والنشر والإعلان مما يجعل نشاط الجناة يمتد إلى أكثر من دولة ليتحرك في مساحات واسعة، فضلاً عن صعوبة إثبات هذه الجريمة، لأن الجاني في أحوال كثيرة ينجو بفعلته. ونظراً للأهمية المتزايدة لهذه الجريمة في الوقت الحاضر، ولندرة المؤلفات والدراسات، تتناولها بعمق ودراية، ونظراً للتعتيم والغموض الذي يرافق الوقائع الانتحارية ولعدم تسجيل معظمها لدى دوائر الشرطة كوقائع انتحارية الأمر الذي جعل تطبيقاتها القضائية نادرة. لذا كان سبب اختياري لهذا البحث لإزالة ما يكتنفه من غموض ولاسيما قد عززنا بحثنا لدراسة مقارنة للتشريعات العقابية، ورغبة في أن أساهم قدر المستطاع في إغناء المكتبة القانونية بمصادر إضافية، في وقت رأيت فيه أن الكتابة في موضوع جريمة الانتحار ودوافعها من باحثين آخرين قليلة، لذا آثرت أن أزيل بعضاً من هذا الغموض وفق إمكانيتي المتواضعة، مما يستلزم من رجال القانون أو ممن يتولون مهمة التقاضي والتقصي ببذل أقصى الجهود للوصول إلى الحقيقة، والمتابعة الدقيقة لأجل كشف ذيول خفايا الجريمة ومن ساعد وحرض على قيام هذا الفعل المعاقب عليه. وغايتي هو الحد من انتشارها وردع الناس عن إتيان هذا الفعل المشين، ولاسيما من يهدد كيان الأسرة والمجتمع ويعرض أمن المواطن وسلامته للخطر.