إنّ الشِعْرَ ما يَنْبُعُ مِن القَلْبِ، ويَندفِعُ إلى العروقِ، فيَتَّصِلُ بجميعِ الحواسِ، حتى يُحَرِّرَهُ الخيالُ بِرَوْحانِيَّةِ الكلمةِ و نبْضِ الحُروف، فهو الجمالُ الذي تَلْتَحِمُ فيهِ عُذُوْبَةُ الألحانِ مع رِقَّةِ الألفاظِ فَتَرَاهُ يَأْسِرُ الأرواحَ بِتلكَ المعاني السماويّة الجَذَّابَة.وكأنّ القلبَ عُصفورٌ مِن عصافيرِ الجَـ...
قراءة الكل
إنّ الشِعْرَ ما يَنْبُعُ مِن القَلْبِ، ويَندفِعُ إلى العروقِ، فيَتَّصِلُ بجميعِ الحواسِ، حتى يُحَرِّرَهُ الخيالُ بِرَوْحانِيَّةِ الكلمةِ و نبْضِ الحُروف، فهو الجمالُ الذي تَلْتَحِمُ فيهِ عُذُوْبَةُ الألحانِ مع رِقَّةِ الألفاظِ فَتَرَاهُ يَأْسِرُ الأرواحَ بِتلكَ المعاني السماويّة الجَذَّابَة.وكأنّ القلبَ عُصفورٌ مِن عصافيرِ الجَـنَّةِ مأْسُورٌ في تلك الصورة بين اللحْم و الدَمِ، خلْفَ تلك القُضْبانِ مِن الضُلوع، فهو في سِجْنِهِ هذا يُغَرِّدُ بِأعْذَبِ الألحان وأصْدَقِها كُلّما هَيَّجَهُباعثُ الذِّكْرَى وأشْجاهُ الحنينُ إلى الموْطِنِ الأوّل أعني الجَـنّةَ التي اِسْتَوْطَنَها أبونا آدمُ مِن قبْلُ.ولا شَكّ أنْ كلّ مُحِبٍّ يَرى في محبوبَتِه نافذةً لِلروْح يَقْفِزُ مِنْها هاربًا مِن هُمومِهِ وأحْزانِه، وكأنّهُ يَعْبُرُ مِن تلكَ النافذةِ إلى رَوْضَةٍ مِن رياضِ الفِرْدوسِ يَنْعَمُ فيها بالسَّكِيْنَة فهو على هذهِ الحالِ مَن الطَمَأْنِيْنَةِ ما دامَ مع مَحْبوبَتِهِ، لا يُفارِقُ تلك الحال حتى يُفَارِقَهَا أوْ تُفَارِقَهُ ثمّ يُوَاجِهَ واقِعَهُ البائِسَ في هذهِ الدُّنيا مَرَّةً أُخْرَى..وإنّ الـمُحِبَّ عِندما يَصِفُ محبوبتَهُ فإنَّهُ لا يَصِفُهَا بِمَعَايِيْرِ الجمالِ الدُّنْيَوِيَّةِ السّطْحِيّة ، وإنّما يَقْيْسُ ذلكَ الجمالَ بِمِقْدارِ ما يَنَالُهُ مِن تلك الـجَنّة التي يَعْبُرُ إليها مِن خِلَالِهَا، أيْ مَحْبُوْبَتِه ، فَيَشْعُرُ حِيْنَهَا أنّ أنْفَاسَ مَحْبُوبَتِهِ هيَ نَسِيمُ تلك الـجَنّةِ، و أنْ هَمْسَهَا هو تَغْرِيْدُ طُيورِهَا، وأنّ نُورَ عَيْنَيْهَا هو ضِيَاءُ تلك الـجَنّة، وأنَ رُوْحَها هوَ سِرُّ تلك الجَـنّة وما فيها. وتلك نَظْرَتي إلى الشِّعْرِ و الحُبِّ مُجْمَلةً ، وعلى هذا أُقدّمُ لكم بَوْحَ وجداني، وبُسْتانَ مَشَاعري في هذا الديوان، وإنّ فِيْهِ مِن الوَرْدِ ما فيهِ مِن طَرَبٍ و فيهِ مِن الشَّوْكِ ما فيهِ شَجْوٍ، وأرْجُو اللهَ أنْ يلقَى اِسْتِحْسَانَكُم والله وليُّ التوفيق. عبدالرحمن أبوالذهب