منذ القدم، وعلى مر التاريخ الإسلامي، حفل العراق بالشعراء والمفكرين والسياسيين من مختلف المشارب والاتجاهات، في بلاد حملت مشعل الحضارة الإسلامية لقرون عدة، ولكل مدينة من مدنها حكايات مع الحضارة والإبداع بدءاً بالكوفة والبصرة ومروراً ببغداد والموصل وصولاً إلى كربلاء والنجف حاضرة العلم والأدب والجامعة الدينية الأبرز للفكر الجغفري، و...
قراءة الكل
منذ القدم، وعلى مر التاريخ الإسلامي، حفل العراق بالشعراء والمفكرين والسياسيين من مختلف المشارب والاتجاهات، في بلاد حملت مشعل الحضارة الإسلامية لقرون عدة، ولكل مدينة من مدنها حكايات مع الحضارة والإبداع بدءاً بالكوفة والبصرة ومروراً ببغداد والموصل وصولاً إلى كربلاء والنجف حاضرة العلم والأدب والجامعة الدينية الأبرز للفكر الجغفري، وموطن أبرز شعراء العراق في القرنين الماضيين، ومدينة اجتمع فيها الفقهاء والأدباء والسياسيون الثائرون من العراقيين ومن الوافدين إليها ليشكلوا نسيجاً ثقافياً خاصاً اختلف عن بقية المدن العراقية بتلاقح الثقافات الوافدة مع ثقافة العراق.وتاريخ النجف حافل بالرجالات الذين ينبغي الوقوف طويلاً عند تجاربهم.وهنا سنقف أمام تجربة أحد شعراء هذه الحاضرة وهو السيد مصطفى جمال الدين، ويتناول هذا البحث: أبرز الروافد التي شكلت ذاكرته الشعرية، وأبرز مضامينه الشعرية، وأخيراً سنركز على أبرز الجوانب الفنية في شعره.تتأسس هذه الدراسة على ديوان الشاعر الذي ضم جزءاً من نتاجه الشعري (إحدى وستين قصيدة) إضافة إلى ما وقعت يد الباحث عليه من قصائد له في كتاب "سيد النخيل المقفى- كتاب مؤلف من مجموعة مقالات لعدد من الكتاب"، وقد احتوى على (ثلاث عشرة قصيدة) فيكون المجموع لدينا أربعاً وسبعين قصيدة هي كل ما استطعنا جمعه للشاعر.أما سبب اختياره للموضوع فهو تميز تجربة الشاعر الذي حمل قضية الشعب العراقي الذي كان يحاول –آنئذ- التخلص من محنة النظام البعثي الذي يطبق على حريته ويسومه الخسف والعذاب، ووظف جزءاً غير يسير من شعره في هذا الإطار. كذلك فإنه –رغم محافظته على الشكل العمودي للقصيدة –قد أوجد إيقاعاً متميزاً في شعره يستحق الدراسة.هذا بالإضافة إلى مضامين الاغتراب وشعر المناسبات، والصراع الأدبي بين المحافظة والتجديد، والتي كانت متميزة من بين جميع الشعراء العراقيين، حتى من قاسمه الظروف نفسها البيئة الاجتماعية أو السياسية. ولعل أبرز ما دفعه لدراسة هذا الشاهر أنه لم يحظ بدراسة مستقلة لشعره، وبالتلاي فإن هذا البحث يهدف إلى تسليط الضوء على تجربته الشعرية مما سيوفر مصدراً مستقلاً لدراسة شعره، وهنا تكمن أهمية هذا البحث.غير أن هذه الأهمية هي نفسها المشكلة الرئيسية في هذا البحث إذ إن الشاعر مصطفى جمال الدين لم يدرس دراسة مستقلة من قبل! وأن عدد المراجع التي أشارت إلى شعره قليل، وهذا ما يجعلني في مواجهة النص منفرداً لفتح باب القراءة واستجلاء شعر هذا الشاعر رؤية وأداة!وقبل أن نختم هذا العرض لمتن الكتاب نود أن نشير إلى الهيكل العام الذي سارت عليه هذه الدراسة، التي اعتمدت المنهج التحليلي الوصفي: فالمقدمة تحتوي على أهمية الدراسة ونطاقها وأهدافها وأبرز تساؤلاتها. والتمهيد يحتوي على نبذة عن حياة الشاعر وأبرز مراحلها، وبيئته وسياقه العام، هذا بالإضافة لمؤلفاته وأبرز أساتذته. كذلك عرض سريع لأهم الدراسات السابقة وأبرز الأسباب التي أدت إلى إهمال دراسة شاعر بمثل هذا المستوى دراسة تتناسب مع مكانته الشعرية!أما الفصل الأول فقد خصص لدراسة أبرز الروافد التي شكلت شاعرية مصطفى جمال الدين، وقد قسمتها إلى أربعة روافد رئيسية تناولت كلا منها على حدة وهي: البيئة النجفية المحتفية بالشعر، الدراسة سواء كانت دينية أو أكاديمية، الجذر التراثي، الأفكار السياسية.وتناول الفصل الثاني أبرز مضامينه الشعرية ومدى تميزها من الأغراض التقليدية في الشعر العربي، وقد قسم شعر جمال الدين إلى أربعة مضامين رئيسية، وهي: شعر المناسبات، القضايا الوطنية، الاغتراب، صورة المرأة.ويأتي الفصل الثالث –وهو الفصل الأخير في هذه الدراسة –معنوناً بعنوانها الرئيس (الخصائص الفنية) وهو يتناول أبرز الخصائص الفنية في شعر مصطفى جمال الدين وذلك على عدة مستويات هي: الصورة الشعرية، التناصية، موسيقى الشعر وإيقاعه.