يبقى صالح متمسكاً بالجذور، ملازماً لقريته، التي فرغت أو تكاد من أهلها، فلا يخطر بباله إلا زيارة المقبرة بين الحين والآخر حيث يستنزل الرحمة على والده ووالدته، فتعتريه حالة الاكتئاب لا تفارقه كيف توجه وأنى حل. يحاول أن يلتقي بالمجنون بعد أن كان يحاذره. يجيبه خلف المجنون ذات مرة قائلاً: "الله يهداك... الغربة فيك فيك، إن جلست أو شدي...
قراءة الكل
يبقى صالح متمسكاً بالجذور، ملازماً لقريته، التي فرغت أو تكاد من أهلها، فلا يخطر بباله إلا زيارة المقبرة بين الحين والآخر حيث يستنزل الرحمة على والده ووالدته، فتعتريه حالة الاكتئاب لا تفارقه كيف توجه وأنى حل. يحاول أن يلتقي بالمجنون بعد أن كان يحاذره. يجيبه خلف المجنون ذات مرة قائلاً: "الله يهداك... الغربة فيك فيك، إن جلست أو شديت" لكن صالح يكابر ويزور بعض رفاقه الذين ما برحوا يمانعون النزوح. يشتبث بالبقاء طالما أن هناك مجنوناً يتصدى للجنون الذي أصاب القرية. وحين يسمع من أحد أصدقائه أن المجنون اعتقلته الشرطة ونقلوه إلى مصح عقلي في الطائف، يتوجه صالح لا يلوي على شيء، يدخل المنزل ليجد امرأته تستمع إلى الراديو. ينظر إليها قائلاً "أم محمد... يا الله اجمعي أغراضك، بكرة نشد للدمام". في "الغربة الأولى" عالم يختلط فيه الواقع بالخيال. ينقلنا المؤلف عبر أحداث فترة تاريخية إبان مرحلة التحول الكبير الذي شهدته المنطقة أثناء فترة الحرب العالمية الثانية امتداداً حتى حرب الـ48، وقيام إسرائيل وتهجير الفلسطينيين وظهور الحركات العمالية وبداية تكوين المشروع القومي الحديث. هي أحداث منطلقة من "تجربة قرية الجبيل بالساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية إلا أنها يمكن أن تنطبق على أية قرية خليجية أخرى".